كان اجتماع أعضاء اللجنة الاستشارية التحضيري لمؤتمر"فكر 7"والذي عقد أخيراً في القاهرة مليئاً بالنقاشات الحيوية الهادفة للوصول إلى الأفكار الأكثر فعالية على الساحة الثقافية العربية والتي من شأنها تنمية الوعي في المحيط الثقافي العربي من خلال مؤسسة الفكر العربي ومؤتمرها المزمع عقده في نوفمبر تشرين الثاني المقبل بالقاهرة... وجاءت الافكار المقترحة الخاصة بالشعار الرئيس لمؤتمر"فكر"في دورته السابعة متنوعة وذكية وطريفة، تعكس التمثيل النخبوي الحاضر من المفكرين والمثقفين العرب، إذ بدأ المجتمعون في مناقشة اتجاهات التنمية العالمية واحوالها وتأثيرها على عالمنا العربي. وكان كتاب"حول العالم، حضارة واحدة"الذي ترجمته مؤسسة الفكر العربي للغة العربية احد محاور نقاط النقاش الدائر، ما جعل النقاش يتجه نحو تسمية للمؤتمر"الألفية الثالثة وتحديات التنمية العربية"، إلا أن المجتمعين اتفقوا بالغالبية المطلقة"ومن قال إن العرب لا يتفقون"على تغيير هذه التسمية إلى مسمى أكثر توافقاً مع أمور اليوم والساعة. وعلى طاولة غداء اللجنة الاستشارية لمؤتمر فكر، استكمل المجتمعون نقاشهم الذي استمر أكثر من ساعة ونصف الساعة، ولم يتوقف عن أسباب معوقات التنمية في العالم العربي، والتنمية هنا ليست تنمية عمرانية او اقتصادية، ولكن تنمية فكرية ثقافية اجتماعية وبيئية، واتفق الجميع على حاجة التغيير وضرورة الإصلاح، وانأ أرى أن التغيير حاصل، وان الإصلاح مستمر، وإن كان أبطأ من طموحات المثقف العربي، خصوصاً أن مؤتمر"فكر"هو نتاج هذا التغيير والإصلاح. بعد أن عدنا إلى غرفة الاجتماع كان الجميع على وتيرة الحماسة الفكرية نفسها، ولم يغلبهم النعاس كما كان متوقعاً، وتم طرح الكثير من الاقتراحات والتسميات لمؤتمر"فكر 7"، والتي تحول أكثرها إلى محاور نقاش للمؤتمر، لعل أظرفها ما تقدم به الصديق جمال خاشقجي وهو"القضية هي وظيفة لسعاد ووظيفة لمحمود"وستكون أهم احد محاور النقاش، وإن كان جمال يفضل أن تكون عنواناً للمؤتمر المقبل، وزاد المجتمعون على اقتراح صديقنا خاشقجي ما يزيد على عشرين عنواناً واسماً لمؤتمر"فكر 7". بعد هذه النقاشات الفكرية الغنية والمثمرة عقدنا اجتماعاً مع رئيس الجلسة والمشرف العام على مؤتمرات فكر الامير بندر بن خالد الفيصل، والأمين العام لمؤسسة الفكر العربي الدكتور سليمان عبدالمنعم، إذ لخص فيه الأمين العام ما جاء في الاجتماعات السابقة من اقتراحات، وتم الاتفاق بشكل عام على اهمية ان يكون عنوان المؤتمر قصيراً ويحوي كلمة الثقافة والتنمية و"ثقافة التنمية"، على اعتبار أن التنمية في مفهومها الواسع هي التنمية الشاملة للإنسان ومجتمعه، وهي أعم واشمل من مفهوم التنمية الاقتصادية والعمرانية، ولن يستطيع أي مجتمع النهوض والتنمية إلا بتطوير الفرد أولاً والمجتمع ثانياً على احترام القانون وحفظ حقوق الانسان في أبسط صورة تمكنه من العيش الكريم والمسكن وحق التعليم والرعاية الصحية. والثقافة ليست رفاهية للصفوة، ولكن هي حق وواجب على الجميع، وهذا الموروث الثقافي نستقيه من ماضينا العربي المسلم لنورثه لأبنائنا وبناتنا، نربيهم على احترام القانون في ابسط صورة، مثل الوقوف على إشارة المرور، واحترام المارة وسائقي الدراجات، نربيهم على احترام الغير وخصوصيتهم، وعدم انقاص قدر من هم أقل حظوظاً مادية، مثل عمال المنازل والعامل البسيط والفقير، نربيهم على المواطنة الصالحة في أبسط صورها وأكثرها تعبيراً، بأن نعامل الغريب باحترام انساني، لنعكس حضارة أمتنا، وان نحافظ على بيئتنا ونظافتها، وأن نأخذ العبرة من العالم الذي تغير من حولنا، من ثورة الاتصال الى تقنية الجينات، الى سهولة الانتقال، ولم يعد هناك خصوصيات لشعوب على اخرى. وحتى تتمحور وتتطور ثقافة التنمية ونلحق بالركب، لا بد ان يشمل تطويرها جميع افراد المجتمع، فثقافة التنمية هي ثقافة تعددية، وهناك مجال للرأي والرأي الآخر، نقبل فيه من نختلف معهم ونجادلهم بالتي هى أحسن، سواء في علم او دين، فنحن العرب لسنا عرقاً واحداً، كما يحاول البعض ان يروج، ولسنا ديناً واحداً، وإن كانت الغالبية مسلمة، تجمعنا اللغة العربية الواحدة، وهي ما يجمعنا عرباً و عجماً. وثقافة التنمية ان تتمسك بهويتك وتتقبل الهويات والأعراف الأخرى وتتعامل معها، وان تعرف ماضيك وتتطلع لمستقبلك بانفتاح، وهي من صميم عمل مؤسسة الفكر العربي التي تُعني بالنهوض بالأمة العربية، وعلى الاخص إحداث نهضة للثقافة العربية تتماشى مع متطلبات النهضة المستدامة الشاملة. ولا عجب أن هذا العنوان حظي بقبول مجلس إدارة المؤسسة، وعلى رأسها الأمير المثقف خالد الفيصل، فهو عنوان شامل ل"فكر 7"سيجعل منه مؤتمراً مميزاً بتميز القاهرة في قلوب العرب،"ثقافة التنمية"التي تعد في الاساس ثقافة المعرفة والعلم، ولكن ان تعرف وتتعلم لا يعني انك مثقف، فالعلم شيء والعمل شيء آخر، فما اكثر حاملي الشهادات ولكنهم على المستوى الثقافي محلك سر، لا يقرأ كتاباً ولا يثقف نفسه، يتصرف مع الآخر كالجاهل، والدين هو المعاملة، كما قال خير البشر صلى الله عليه وسلم"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"... من أجل ذلك اذا أردنا أن نتطور وننمي مجتمعاتنا العربية، فليس هناك مفر من تطوير الثقافة المجتمعية للفرد حتى تنهض أمتنا بثقافة التنمية. * المدير التنفيذي لمؤتمر"فكر".