لم تكن مؤتمرات مؤسسة الفكر العربي الثمانية الماضية، مجرد مؤتمرات ثقافية كغيرها من المؤتمرات التي يجتمع فيها كبار المثقفين العرب لتبادل الآراء والأفكار، فقد كانت تلك المؤتمرات بمثابة الجسر الذي تنتقل من خلاله الآراء من مرحلة الفكر إلى مرحلة الحركة والفعل، حيث تميّزت تلك المؤتمرات بخصوصية أساسية جعلتها مختلفة كثيرًا عن غيرها من المؤتمرات، ألا وهي مشاركة عدد كبير من كبار المسئولين العرب، وهو ما يضمن إلى حد بعيد إيصال مختلف الأفكار والاقتراحات المطروحة على مائدة المؤتمر إلى المسئولين التنفيذيين الذين يمتلكون القدرة على اتخاذ القرار وتحويل الأفكار إلى سياسات عملية، لتتحول مؤتمرات مؤسسة الفكر العربي إلى ما يشبه المنتدى الذي يجمع العقل الجماعي العربي. وقد كان لبيروتوالقاهرة نصيب الأسد في استضافة مؤتمرات «فكر»، حيث تستضيف بيروت المؤتمر للمرة الثالثة في دورته الحالية، واستضافته القاهرة مرتين الأولى والسابعة، وكان المؤتمر الثالث بمراكش، والرابع في دبي، والسادس في البحرين، والثامن في الكويت، بينما كان الثاني والخامس في بيروت. وقد دعا المؤتمر الأول لمؤسسة الفكر العربي إلى تأسيس مشروع ثقافي عربي، وكان هذا المشروع هاجس كثيرين، فى مقدمتهم الأمير خالد الفيصل الذي ولدت فكرة مؤسسة الفكر العربي في وجدانه والذي أعلن عنه في مؤتمر الثقافة في بيروت في شهر مايو 2000، ثم كان الاجتماع التأسيسي في القاهرة في يونيو عام 2001، ثم توالت التوصيات الهامة لمؤتمرات «فكر»بعد ذلك والتي تصب جميعها في العمل على النهوض بالثقافة العربية وجعلها قادرة على المواجهة في المعركة الحضارية الحالية. في المؤتمر الأول طرحت المؤسسة «حاضر العرب والواقع الذي يعيشون فيه»، ثم وضعت في مؤتمرها الثاني محورا حول «استشراف المستقبل العربي من خلال معطيات القريب الحاضر»، وأما في مؤتمرها الثالث فقد طرحت «ثقافة التغيير وتغيير الثقافة وطرق الدخول للمستقبل»، وجاء المؤتمر الرابع والذي عُقد في دبي ليناقش قضية «الإعلام العربي والعالمي.. تغطية الحقيقة«، ثم جاء المؤتمر الخامس ببيروت ليكون مؤتمر التضامن مع لبنان والشعب اللبناني بعد حرب سبتمبر تموز 2006، وأما المؤتمر السادس والذي عُقد بالبحرين فقد حمل شعار «الإستراتيجية العربية لعصر العولمة»، وذلك من أجل وضع البلاد العربية في موقع الأعضاء الناشطين في المجتمع الدولي مع ما يحملون من اهتمامات مشتركة وما يساهمون به من حلول إيجابية. ثم أولت مؤسسة الفكر العربي مسألة التنمية اهتمامها المميَّز، لتُطلق مؤتمرها السنوي السابع (فكر7) تحت عنوان: «ثقافة التمية» ولتطرح آفاقاً جديدة لتطوير هذا الحدث المميّز الذي استضاف نخبة من أبرز المفكرين والشخصيات في القطاع العام وعالم الأعمال والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني والفنّي لمناقشة المواضيع والقضايا الملّحة التي تواجه الثقافة والتنمية العربية في عصرنا الحاضر والذي تبنى مبادرة جديدة وهي «مقهى الشباب» والذي يتناول «هويّة الشباب العربي»، وحاولت المؤسسة ثراء عملية التنمية والتقدم في العالم العربي من خلال توظيف الثقافة في محور عملية التنمية في الوطن العربي، وحمل المؤتمر الثامن لمؤسسة الفكر عنوان «التكامل الإقتصادي العربي.. شركاء من أجل الرخاء» وبحث في كافة الجوانب الخاصة بتحقيق التكامل الإقتصادي بين الدول العربية سواء بالنسبة لزيادة حجمم التجارة البينية العربية والاتّفاقات التي تربط مابين الدول العربية واستراتيجيات الزراعة والدور الذي يمكن أن يضطلع به القطاع الخاص في هذا الشأن في ظل تزايد معدلات الفقر وما يرتبط به من تحدّيات اجتماعيّة أخرى. ولم تغفل مؤسسة الفكر العربي دور المبدعين العرب فرصدت لهم الجوائز التي يتم توزيعها كل عام من خلال المؤتمر، وتسعى المؤسسة اليوم بكل جد لعقد القمة الثقافية العربية حتى يمكن النهوض بالثقافة العربية. ولعل من الخطوات الهامة في مسيرة مؤسسة الفكر العربي هو العمل على تثقيف مختلف الأجيال العربي ولا يأخذ الأمر مجرد فكراًَ أكاديمياً بل يتم تطبيقه على الأجيال العربية قدر المستطاع، وبعد هذا المجهود الخارق خلال الفترة الماضية يأتي اليوم مؤتمر «فكر 9»ببيروت ليقدم وجبة دسمة ويؤكد قوة الثقافة العربية وقدرتها على رسم المستقبل المعرفي للعالم العربي.