أكد أستاذ التاريخ في جامعة الملك سعود الدكتور عبدالله العسكر أن"الفنون الأدبية بأشكالها المتعددة لا مست بعض الشيء قضية الحوار بين الأديان، ولكن ليس بالصورة التي تتطلبها الحقبة الزمنية الحالية. وهذا يحتاج إلى بسط في القول. في حقبة الليبرالية العالمية وحتى العربية لم تكن قضية الحوار بين الأديان أو الحضارات قائمة. كانت قضية موجودة في كتب التاريخ، بحكم أنها كانت موجودة عند الشعوب في القرون الوسطى. كان العصر المزدهر للآداب يعج بقضايا قائمة وملحة، مثل قضية المساواة في الحقوق والواجبات بين الجنسين. وقضية التحرر، وقضية القوميات، وقضية انتشار العلم والثقافة عبر الحدود، إلى غير ذلك من القضايا. وبالتالي يمكننا القول إن قضية الحوار بين الأديان لم تكن ملحة ليتطرق إليه الأدب والفن والثقافة بصورة تجعلنا نرصدها ونتأملها". وأضاف:"كان العالم كل العالم مشغولاً بصراع التحرر، ولذلك كان التجادل والتحاور بين سياسات وعسكريات أكثر منه حواراً بين ثقافات وأديان. كان العالم يشهد تحولات في السياسة والاقتصاد والاجتماع أكثر منه في الدين. وإن كان ثمة دين فهو صراع بين أهل الأديان ومنكري الأديان. وبالتالي كانت الحرب الباردة على سبيل المثال، تجمع أهل الأديان في مخيم واحد. ولم يكونوا في حاجة ليتحاوروا بخصوص أديانهم، فالشيوعية وحدتهم وآنستهم اختلافاتهم العقدية والدينية والثقافية. لذا لم يجد الأديب أو الفنان ما يدفعه لإعادة رصد أية خلافات دينية بارزة". وذكر العسكر أنه"من مدرسة لا ترى أن الرسوم والأشكال الزخرفية والنقوش وربما الفن المعماري الديني تعزز أي منطلقات للتفاهم أو الحوار الديني. فكل الرسوم الدينية في المعابد لا تتيح للآخر أن يفهم أو يقبل بها. فهي رسوم ونقوش تعبر عن معتقدات دينية لا معتقدات تحاورية. فما دلالة صور السيدة مريم العذراء في الكنائس والمعابد لغير النصارى سوى الرفض والشجب والإنكار. وبالتالي أرى أن الفن الديني أو المذهبي إنما يعبر عن معتقد واحد، ولا يعبر عن رغبة للتحاور. أما إذا كان الفن غير متدين فإنه والحال كذلك يُعد قيمة إنسانية يتفق الجميع على قبولها. لكن المشكلة أن الفنون التشكيلية ذات الصبغة الدينية منذ الهياكل اليونانية أو الأصنام القديمة مروراً بالرسومات الدينية المسيحية لا يمكن توظيفها في ميدان التسامح والتحاور". وقال:"نعم أستطيع أن أعرف دين أو مذهب بعض الأدباء في المجتمعات المحافظة أو غير المؤمنة بقيم الليبرالية. لكن الصعوبة تكمن في الآداب ذات الصبغة العالمية، فهذه لا يمكن أن تعرف مذهب أصحابها الديني، لأنهم لم يوظفوا الدين أو المذهب في كتاباتهم. هناك آداب عالمية لا دين لها. وهذا صحيح فالعلوم والآداب تخص الإنسان. القيم الإنسانية مثل الصدق والصبر والنظافة وبر الوالدين وتربية الأطفال والعمل ومساعدة المحتاج وغيرها كثير كلها قيم عالمية تجدها في كل الأديان. وبالتالي لا يمكن أن تقول إن هذه القيم لا يمكن وجودها في الهندوكية مثلاً. الأعمال الفنية تعبر عن الإنسان بصرف النظر عن معتقده أو جنسه، وبالتالي لا يمكن أن تتنبأ بدين أصحابها. أما إذا كان الأديب أو الفنان مؤدلج فمن السهل أن تتعرف على دينه". خطاب إنساني من جهته، شدد الشاعر والكاتب عبدالله السميح على أنه"من المؤكد أن الخطاب الأدبي هو خطاب إنساني، وما تفرعاته من قصة ورواية ومسرحية وشعر إلا قنوات تزخر بالتشكل الجمالي، الذي ما فتئ يحارب ضد القبح منذ الأزل، ويطلق حمائم السلام في كل اتجاه وما السلام إلا الحوار الراقي الذي يحترم حرية الإنسان وفكره، لن تجد قصيدة تفخخ نفسها وتنفجر بين الناس في سوق عامة، ولن تجد رواية تدعو على الناس أن يصبحوا شذر مذر وتتشفى بتيتيم أطفالهم، وسبي نسائهم، الأدب في الأصل دعوة للسلام ومن سلبياته أن يكون صوتاً للأيدلوجيا". وأضاف أن"الفن الإسلامي عرَّف بالثقافة الإسلامية وحاور نيابة عن المسلمين في غياب الاتصال الثقافي، ولم يزل كثير من الفنون الإسلامية مصادر إلهام لكثيرٍ من الفنانين على مستوى العالم، ولاشك أن هذه الفنون تقيم حواراً مع الآخر يجعل الأرضية مهيأة الآن لحوارٍ إنساني لا يجعلنا نتنازل عن ثوابتنا، ولا ينفي حق الآخر ويصادر قيمه". وأوضح السميح:"أنا لا أقرأ بدافع رقابي ولا أقيم مليشيات تفتيش لتعرية الكلمات بين يدي كل كتابٍ أقرأه، ولست معنياً بمعتقد الفنان، ما يهمني هو الجمال الفني، عندما أقرأ ليتس مثلاً وهو شاعرٌ يهودي أعجب بالنغمة الأخلاقية والإنسانية والجمالية التي تميز شعره ولا أقرأه على أنه شارون أوبن غوريون". أثر إيجابي وفي السياق ذاته، ذكر الفنان التشكيلي ناصر الموسى أن"للفن التشكيلي أثراً إيجابياً في مفهوم العلاقة وتنميتها بين المسلم والآخر، وهذا يتضح جلياً من خلال الفنون الإسلامية التي تزخر بها متاحف العالم، إضافة إلى الأعمال الإبداعية الأخرى كالمنحوتات، وأعمال مسطحة لاقت استحسان وإعجاب الآخرين من غربيين وشرقيين، ولهذا أصبح حضور العمل الإبداعي في المناسبات والفعاليات الثقافية والفنية لافتاً للقدرة التي يتمتع بها الإنسان المسلم، كما عبر عن إيجاد أو ردم الهوة بين المثقف المسلم والآخر، سواء كان هذا النتاج لوحة تشكيلية أو قصيدة أو رواية مترجمة أو مسرحية. وتابع:"لا شك أن فن العمارة الإسلامية كان له الأثر الإيجابي في اهتمام الآخر بقدرة الفنان وأثر الفن المعماري الإسلامي في الحياة والإنسان في العصر الحديث والذي يسبقه، وما تلك الشواهد المعمارية من قصور وما تزخر به من نقوش وأقواس ونوافذ إلا دليل على مهارة الفنان المعماري المسلم. كما لا يخفى أن الطرز المعمارية الإسلامية ? العربي والتركي والإيراني- وغيرها التي تزخر بالنقوش والزخرفة والخط العربي نجد لها الأثر الملموس في فن العمارة الأوروبية". وزاد:"أثر الحضارة والبيئة الاجتماعية أو الثقافية التي يستمد منها ذلك الفنان نتاجه الإبداعي من أي الأجناس الإبداعية المختلفة التي استقى منها ذلك النتاج بالتأكيد سيكون له أثر ملحوظ يبين أن الفنان مؤثر ومتأثر، لأن عمل ذلك الفنان ناتج طبيعي للمتغيرات الثقافية والفكرية، اجتماعية أو دينية، ما يجعلك تعطي حكماً بأن هذا الفنان ينتمي إلى ذلك المجتمع أو إلى ذلك المعتقد".