أعتدل في جلسته الانبطاحية الممجوجة كما هو جسمه المترهل وعقله المضمحل ثم قال بصوت استهزائي غبي ينم عن جهل متأصل بعد حوار عقيم مع عقماء مثله في الثقافة والفن. نرفض الفن والثقافة من خارجنا. وكأنهم يغمزون ويلمزون لثقافة وفنون طريب التي وئدت على طريقة الجاهليون الذين يهربون من العار بالعار بوأد البنات. لم أتحمل الحوار العقيم فأمسكت بعقلي بين يدي وهربت به خوفا عليه من التلوث اللفظي فما سمعته من لغة سامجة شعبية عن الثقافة والفن اعتبرها بمثابة وباء يتقى شره .. وبعد أن تأكدت من بعدي عن المكان تذكرت رسالة أعدتها لجنة الثقافة والفنون في طريب قبل فترة عن رؤيتها لمعنى الثقافة والفنون وأنا أقدمها هنا للمحترمين وأولهم العزيزين/ محمد سعيد الجابري وأحمد بن جهيم وهذا نص الرسالة. تعتبر الثقافة والفنون في حال ازدهارها مؤشر قوي وعلامة واضحة من علامات تقدم وتطور المجتمع أي مجتمع كان ، ويقال إن الثقافة هي إلمام الفرد ببعض الشيء من كل شيء والتعاطي معه ويرى في الثقافة والفنون إنها من علامات رقي هذا المجتمع أو ذاك وصحة عقله وجسمه الفكري ودليلا على تميز أهله عن ما سواهم من الناس وعيا وعلما وسلوكا حضاريا ، وهناك من النخبة من يعتقد أن من الصعب على الإنسان مهما أوتي من قدرة تفكيرية أو فهما فنيا أو وعيا ثقافيا أن يسمي أو يحدد تماما وبدقة متناهية لا تقبل الجدل أو النقض ما هي الثقافة وما هي الفنون ويشخصها ويحددها بحيث يصعب على غيره أن يعطي رأيا آخرا مغايرا له، ولكننا بفهمنا المتواضع في لجنة الثقافة والفنون في طريب نستطيع أن نقول أن الثقافة والفنون هي إبداع عقلي تفكيري للإنسان السليم الصحيح العقل والجسم الباحث عن الكمال والنجاح والتميز في حياته يبلغها حينما يبلغ حالة الاستخدام العقلي المثالي مع نفسه ومع الناس في حياته الخاصة والعامة أخذا وعطاء فهما وعلما ، وهذا مؤشر عالي في الوعي ما يبلغه كل أحد وهنا بالتأكيد تتحول الثقافة والفنون الإبداعية الفردية والجماعية بالتراكم والتقادم إلى موروث إنساني يتطور مع الوقت وفقا لتطور الإنسان ذاته مع واقعه الذي يعيشه ويتوقف تطور هذا الموروث ويندثر في المجتمعات الميتة أو الخاملة أي الجاهلة ، وهي أي الثقافة والفنون مجموعة أفكار وتخيلات وعلوم ومهارات وسلوكيات يكتسبها الإنسان السوي ذهنيا أي بالعقل من تراثه ومحيطه ومخالطيه ومعلميه ثم يقدمها للناس أما باليد أو باللسان أو بالجسد أوبها معا في شكل إبداعي فني أو ثقافي . والثقافة والفنون أيضا باعتبارهما نتاج بشري يعطيه أو يقدمه النخبة الخاصة للأمة العامة فإنهما معا (الثقافة والفنون) يشبهان الروح والجسد متلازمان لا ينفكان ، فلا ثقافة بدون فن ولا فن بدون ثقافة لأنهما كلاهما نتاج فكر إنساني رفيع وخلاّق والثقافة والفن مطلب بشري للسمو والارتقاء والابتعاد عن الدونية الحياتية التي عليها المخلوقات الأخرى غير البشرية سلوكا وفهما وتبادل واكتساب معرفي وهي في الواقع استخلاص لعصارة تجارب من سبق من أفراد ومجتمعات تتحول لعطاء إبداعي متجدد فردي أو جماعي . وتعتبر الثقافة والفنون أيضا في مفهومها العام هي روح الأمة وعنوان هويتها وهي من الركائز الأساسية في بناء الأمم وفي نهوضها وتطورها ، ومن البديهي القول إن لكل امة ثقافتها وفنونها المرتبطة والمنبثقة من بيئتها والتي هي بالتالي وبالضرورة روحها وتعلن عنها وعن مكنوناتها وإرثها وميراثها الثقافي الفني للأمم الأخرى بحسب مساحة تحركها أو وفقا لقوة وحيوية ثقافة وفن الفرد أو الجماعة فيها ، وهذا يبدأ من الفرد إلى المجموعة ثم إلى المجتمع فالأمة فالإنسانية عامة وكلما عزف المجتمع عن الثقافة والفنون كلما كان هذا العزوف على حساب العقل والتطور البشري ، والثقافة والفنون هي التي تعمل على تشكيل ونمو العقل السليم والوعي الحسي وتكوين الفهم العام للإنسان ليكون في أجمل حالاته وأكمل عطاءاته لصناعة التاريخ والحضارة البشرية التي تبدأ من الإنسان ذاته وتنتهي إليه نفسه لخدمته .. إذاً فالثقافة والفنون إذا أردنا إعطائها مسماها الشمولي الآخر: فهي لغة لسان أي لفظ وفعل جسد حركي كامل أو يدوي إنساني مشترك تتحول مع مرور الوقت لنتاج تراثي فكري بشري ، ولكل امة من الأمم نتاج فكري تتميز به عن سواها من الأمم من خلال إبداع مثقفيها وفنانيها أفرادا كانوا أو جماعات ، ويقدم للأجيال وللأمم الأخرى في صور شتى مستمدة فعلها هذا من تراثها الذي توارثته جيلا بعد جيل ومن إبداعها الذي تخلقه بوعيها. والثقافة هي كل عمل إنساني مكتوب أو لفظي مثالي إبداعي ، والفن هو نتاج الثقافة في شكل إبداع حركي إنساني محبوب ورفيع المستوى. والثقافة في لغتنا العربية أصلا ثابتا فهي تعني فيما تعني : التقويم للإنسان وللذات الإنسانية إبداعا وسلوكا منطقا وتعاملا . والفن كما سلف هو أيضا كل إبداع إنساني مُشاهد أو ملموس أو مسموع من صنع الإنسان ذاته ومما خلقه هو بقدرته البشرية التي من الله بها عليه كتعبير عن نفسه وذائقته الراقية وبقدر ثقافته ورقيه الفكري يكون جمال واكتمال وقبول فنه وإبداعه، لأن الإنسان إذا كان مثقفا فهو بالتالي فنانا أي متذوق للجمال ممارسا له في حياته وأفعاله وأقواله ، وفي كلا الحالتين الثقافة والفن يكون الكمال العقلي الإبداعي ، لان الإنسان المبدع لا يكون مبدعا إلا إذا كان مثقفا فنانا وبلغ مرحلة الإحساس المرهف والمشاعر الإنسانية الفياضة والصادقة من خلال عطاءاته التي اكتسبها إما بالثقافة أو بالفن أو بكليهما معا ، ذلك أن المثقف أو الفنان لا يكون كذلك إلا بعد أن يحول مشاعره إلى إبداع إنساني راقي سواء ثقافةً أو فناً وفقا لما اكتسبه ، وهو ما يرفع من مقام الفرد والمجتمع والأمة بين الأمم الأخرى .. والفرد هنا في هذه الحالة يكون قادرا على ترجمة ما يحيط به من صور جمالية خلاّقة وما في نفسه من مخزون فكري و حسي من الثقافة والفن وتقديمه كعطاء راقي للناس في عدة صور أخّاذة ، ومن ذلك الكتابة الراقية والخطابة بطلاقة والشعر الفصيح والشعبي والإنشاد الفطري والغناء الإنساني بشقيه الشعبي والحديث والعروض الشعبية الراقصة والسينما التصويرية التوثيقية والموسيقى الإنسانية البدائية والحديثة والنحت والتصوير والرسم التشكيلي والتمثيل وحتى الصناعات اليدوية والملابس كلها إبداع إنساني ثقافي فني ، وهي وان كان اغلبها يسمى الفنون المركبة لأنها نتاج عمل فني حياتي من صنع الإنسان فإنها يمكن تسميتها جميعها هنا بالإبداع الثقافي والفني الإنساني لأنه - أي الإنسان- انتقل هنا مختصرا الصورة والفعل من المسرح الكبير الحياة بفضل وعيه إلى المسرح الصغير التمثيلي الحركي الإنساني الإبداعي الخاص الذي يجمع بين الثقافة والفن ، وهو ما دعا المبدعين لتسمية المسرح : (بأبي الفنون) لأنه يجسد ويجمع كل الفنون والثقافة والإبداع الإنساني في مكان واحد حتى وإن كان محدود المساحة لكنه كبير في حجم الدنيا بنصوصه و بشخوصه وعطاءاتهم الفنية الإنسانية المتأتية أصلا من الثقافة ، ثقافة الإنسان التي جعلت منه عقلا فنيا واعيا مدركا يرسم خطواته الثقافية وملامح حياته الفنية لمصلحة الإنسان لأنه هنا تخلى عن أنانيته وحب ذاته من أجل المجتمع الذي هو منه وأرتفع عن الجهل والتخلف في القول والفعل الثقافي والفني إلى السمو في العطاء وبالتالي يخدم الأمة وبمعنى شمولي اكبر يخدم الإنسانية ويخلد لها الروائع الثقافية والفنية . هذا هو باختصار مفهومنا لمعنى الثقافة والفن ، ثقافة الفرد الذي هو أصل المجتمع ، ثقافة وفن السلوك ، ثقافة وفن الحوار، ثقافة وفن التعامل ، ثقافة وفن الفهم ، ثقافة وفن القيافة ، ثقافة وفن الأخذ والعطاء، ثقافة وفن التعلم ، ثقافة وفن الحياة لان الإنسان بدون ثقافة وفن هو مجرد مخلوق مكتمل النمو الجسدي لكنه ناقص العقل الثقافي والعقل الفني الواعي الذي يؤهله للحياة الحية وليس الحياة الميتة . ونحن وأنتم هنا في هذا المكان في طريب نعمل لان نكون في قلب الثقافة والفن غايتنا الارتقاء بإنسان طريب إلى المكان اللائق به وتمييزه عن سواه من عامة الناس ، أو على الأقل مسايرة الآخرين الذين سبقونا إلى القمة والقيمة والسمو التفكيري في الحياة الثقافية والفنية ، ونحن وأنتم لا نقل عنهم قيمة ومكانة ماضيا وحاضرا من أجل مستقبلا وضاء ووسيلتنا في هذا الارتقاء بذاتكم وذائقتكم وتفكيركم إلى الغاية الأسمى التي تليق بكم هي الثقافة .. وبالثقافة نرتقي جميعا لنبلغ الفن فإذا بلغنا غايتنا من الثقافة والفن فنحن جديرون بما نستحق من القيمة في الحياة لخدمة أنفسنا ثم مجتمعنا الصغير طريب فمجتمعنا الكبير المملكة ومن يعطي لمجتمعه خير ممن يأخذ فقط و لا يعطي وأنتم أهلا للعطاء الوطني ثقافة وفنا . ذلك كان نص رسالة ثقافة وفنون طريب التي أرجو أن ترى النور لنرى مسارنا ومسار أبنائنا من أصحاب العقول الغضة في طريب وفي منطقة عسير عامة .وأنا أعرضها هنا للمحترمين من الناس وهم قلة كما رأيت وشاهدت في منطقة عسير وأولهم الجابري وابن جهيم . فاصلة : ليس الجمال بأثواب تزيننا إن الجمال جمال العلم والأدب . محمد علي آل كدم القحطاني