طغت الحماسة على نقاشات المشاركين في الجلسة الأولى من"المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار"، وتشعبت الآراء والمداخلات، حتى كادت تخرج عن الموضوع الذي كان"التأصيل الإسلامي للحوار"، الأمر الذي دفع رئيس الجلسة الشيخ صالح بن حميد للتدخل وإلزام المشاركين بالنقاش والتفاعل مع الموضوع الأساس والكف عن تجاوزه. وتضاربت آراء المعقبين والمداخلين وتشعبت أطروحاتهم حول مواضيع عدة، فاستشكل بعض المداخلين عدم وجود تعريف واضح للحوار، إضافة إلى انه محصور فقط في رجال الدين، بينما يجب أن يكون عاماً ومتناولاً لأوجه الحياة اليومية بين الشرق والغرب. وطالب بعض آخر بألا تقتصر النقاشات الحوارية مع الأطياف التي تتفق معها الرابطة في الرؤية، بل اقترح عليها أن تفتح المجال أمام كل التيارات الإسلامية. وأكد المفتي العام للمملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ خلال مداخلته أثناء الجلسة وجوب أن ينطلق الحوار من مبدأ واضح ومتين، يقوم على أن دين الإسلام دين كامل، وليس مكمّلاً لما سواه، فهو خاتم الرسالات وأعمها واشملها. وخلصت أهم المداخلات إلى ضرورة أن تتبنى رابطة العالم الإسلامي حصر جميع القضايا العالقة، خصوصاً تلك التي يثيرها غير المسلمين وتتم دراستها ووضع الحلول لها، ومن ثم كتابتها ونشرها بلغتهم في بلدانهم المختلفة، إضافة إلى حصر كل المحاورين الماهرين وإرسالهم إلى بلاد الغرب أو الشرق، مع تأهيل غيرهم من المجموعات المختلفة وتمكينهم من ممارسة الحوار الرصينة، وتزويدهم بالحجج والبراهين الدامغة التي تجعلهم أهلاً للحوار الجاد والبناء. ورأى مداخلون أن الدعوة للحوار من جانب السعودية لم يتوقعها الغرب، لظنهم أنها بلد منغلق وغير مفتوح على الحضارات والأديان الأخرى، بينما أثبتت أنها على العكس من ذلك تماماً. وكانت الجلسة الأولى اهتمت بمناقشة محور"التأصيل الإسلامي للحوار"، وأكد مديرها الدكتور سعد بن علي الشهراني أن"المحاور المسلم لا ينطلق في حواراته من فراغ بل له أهداف سامية معلومة، إذ إن أهداف الحوار هي ثمرته وغايته المطلوبة وبتحديد هذه الأهداف تتضح مواضيعه وأساليبه، وعليه فإن الحكم على الحوار حرمةً وجوازاً وتقويماً ونجاحاً وفشلاً وقوةً وضعفًا إنما يكون بمعرفة أهدافه، فالقاعدة الشرعية تنص على أن الأمور بمقاصدها ومن دون تحديد هذه الأهداف يبقى الحوار ضياعاً للوقت وهدراً للطاقات وإشغالاً للأمة بما لا تُرتجى منه فائدة". وأشار إلى أن المتتبع لحوارات النبي صلى الله عليه وسلم سواء مع أصحابه أو مع المشركين أو اليهود والنصارى أو الملوك والأمراء سيجد أن لها أهدافًا عظيمة ربانية ترتقي وتترفع عن الأهداف الأرضية المادية التي يسعى لها بعض البراغماتيين والنفعيين. وأضاف:"مما يؤسف له أنه دخل باسم الحوار والدفاع عن الإسلام من ليس مؤهلاً لذلك". مؤكداً أن الدعاة إلى الله مطالبون بإقامة الحجة وإبلاغ الرسالة للناس كافة فلا بد لهم من أن يتسلحوا بعلم ويحذروا من الوقوع في شِراك المحاورات الجدلية التي لا طائل منها". كما تحدث مسؤول الشؤون الدينية في المؤتمر الشعبي اللبناني الدكتور اسعد محمود السحمراني عن"تجارب من الحوار الحضاري عبر التاريخ". مشيراً إلى أن قفزات سريعة في عالم الاتصال حصلت بفعل التقدم التقني وقد فرض ذلك قدراً من الانفتاح والتواصل بين الأمم والمجتمعات لم تعهده البشرية من قبل، كما أن تطور وسائل الاتصال فرض تحديات فكرية وقيمية تحتاج لأنماط من الاستجابات، وهو ما يثمر مسارات حضارية غير مسبوقة وقد برزت عناوين لم تكن معهودة مثل صدام الحضارات والفوضى ونهاية التاريخ. وأكد أن الواقع المحيط بالعلاقات بين الأمم والشعوب"تغشاه حالات من التوتر تسببها حالات التجاوز والتطاول أو ما حصل وما يحصل باستمرار من أشكال العدوان والظلم الذي وصل بعضه إلى حد احتلال أرض أو استباحة حرمات أو طرد مواطنين من ديارهم أو نهب ثروات أو نشر قواعد عسكرية توزع الرعب في كل الاتجاهات، أما على الصعيد الديني والأخلاقي، فعمدت مدارس تخريبية إلى نشر المفاسد والرذائل باسم الحرية الفردية وحقوق الإنسان". ثم تحدث رئيس الجامعة الخالصية في العراق الدكتور جواد محمد مهدي الخالصي عن"تجارب من الحوار الحضاري عبر التاريخ". وقال:"بنيت كل الدعوات البشرية عبر التاريخ على بدايات حوارية قام بها أصحاب تلك الدعوات أو الذين اقتنعوا بها لإقناع أكبر عدد من الناس بصوابية الأفكار والمناهج العملية التي تؤسس عليها، ورسالات السماء التي حملها الأنبياء العظام بنيت على أسلوب الدعوة ومحاولات إقناع أوسع وبتحمل وصبر طويلين، ويتناسب كل ذلك والقناعة العميقة التي حملها الأنبياء الكرام عن تلك الدعوة وقدسية الواجب الملقى عليهم". وبين أن القرآن الكريم تضمن إشارات واسعة إلى هذه الحوارات، بل تعددت الإشارة إلى الحوار الواحد أحياناً، إذ تم ذكره بأساليب متعددة أو من خلال مواقع مختلفة يمكن النظر منها إلى تلك الحوارات، للحصول على أكبر قدر ممكن من التأثير الايجابي الذي ينفع الإنسان ويسهل له طريق الوصول إلى الحق. وأكد أن تجارب الحوار الحضاري بنيت في ضوء الممارسة الإيمانية التي واكبت حركة الرسالات الإلهية، كما بنى العقلاء من الناس ومن أتباع الرسل والأنبياء ومن غيرهم طريق الدعوة على هذا المنهاج، وأدى هذا إلى قيام تجارب حوارية كثيرة في عصور التاريخ. كما عقد المؤتمر جلسته الثانية برئاسة رئيس البرلمان في اندونيسيا الدكتور نور محمد هدايت وحيد. وخصصت هذه الجلسة لمناقشة موضوع"محددات الحوار ومصطلحاته الشرعية"، وتحدث فيها كل من الأمين العام للمركز العالمي للوسطية في الكويت الدكتور عصام أحمد البشير والمشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم الدكتور سلمان بن فهد العودة. وسيواصل المؤتمر عقد جلساته اليوم لمناقشة بقية محاوره.