يبدأ ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران المفتش العام الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخميس المقبل زيارة رسمية لإسبانيا على رأس وفد رفيع المستوى يُجري خلالها محادثات رسمية مع الملك خوان كارلوس ورئيس وزرائه خوسيه لويس ثاباتيرو وكبار المسؤولين الأسبان. وتربط العلاقات السعودية - الإسبانية علاقات قوية ومتينة وهي امتداد لتاريخ حافل بالمعطيات الثقافية والحضارية، وتعود العلاقات الديبلوماسية إلى أكثر من 50 عاماً ويعمل قادة البلدين على ترسيخها. وزادت حدة الحاجة إلى ذلك في العصر الحديث، حتى أصبح تطوير هذه العلاقة في الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية كافة التحدي الكبير لمسؤولي الدولتين، ما يستوجب جهوداً مشتركة لتطويرها بفعالية الروح الجديدة والمسؤولية، بما يكفل استمرارها ويحفظ للدولتين العلاقة المميزة بينهما ولشعبيهما استقرارها وازدهارهما. وتتسم علاقات الرياضومدريد بأنها ليست علاقات تقليدية أو مصالح مشتركة فحسب، بل هي امتداد لتاريخ حضاري ضخم وليد إرث ثقافي وحضاري وتراث رائع في إبداعه وكريم في عطائه. تدعم زيارة ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران المفتش العام الأمير سلطان بن عبدالعزيز الرسمية إلى إسبانيا توجه القيادتين السعودية والاسبانية في توطيد التآخي والتطابق في وجهات النظر تجاه قضايا المنطقة الرئيسية، كما أنها تضخ في صميم العلاقات الثنائية دماء جديدة تمنحها المزيد من التميز والازدهار. وتركز زيارة الأمير سلطان على العلاقات الثنائية بما تشمله من شؤون اقتصادية وسياسية ونظراً إلى المكانة الإقليمية والعالمية التي تتسم بها السعودية كأحد اكبر منتجي الطاقة وكدولة حاضنة للحرمين الشريفين وقبلة المسلمين. كما أن الزيارة تحمل أبعاداً مهمة ليس في العلاقات الثنائية فحسب بل أيضاً في شأن قضايا الشرق الأوسط والشؤون العالمية. وتأتي الزيارة لدعم أواصر الشراكة الاستراتيجية مع مثل إسبانيا، بما يخدم المصالح المشتركة، كما أنها تؤكد سلامة التوجهات السعودية وانفتاح ديبلوماسيتها على دول العالم من اجل إقامة علاقات متوازنة مع الجميع في الشرق والغرب، خصوصاً بعد انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية وباعتبارها اكبر منتج للنفط في العالم. كما أنها تأتي استمراراً للنهج السعودي في توثيق العلاقات الثنائية وتحقيق مزيد من التوافق البناء في القضايا العالمية ذات الاهتمام المشترك. وتميزت علاقات البلدين بالتفاهم منذ سنوات طويلة. ففي مطلع العام 1984 زار رئيس وزراء إسبانيا السعودية لاستعراض العلاقات الثنائية والتعاون القائم بين الرياضومدريد وسبل تدعيمه على نطاق أوسع. وأبرزت الزيارة الاتفاق في وجهات النظر تجاه القضايا العربية، وفي مقدمها القضية الفلسطينية. وفي نيسان أبريل 2006 زار عاهل إسبانيا الملك خوان كارلوس السعودية يرافقه عدد من رجال الأعمال الإسبان، وكان للزيارة أثر كبير في مزيد من التعاون بين البلدين. وعقد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدا لله بن عبدالعزيز وعاهل إسبانيا اجتماعاً جرى خلاله بحث مجمل الأحداث والتطورات على الساحتين الإقليمية والدولية، إضافة إلى آفاق التعاون بين البلدين وسبل دعمها وتعزيزها بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الصديقين في جميع المجالات، وتم خلال الاجتماع توقيع مذكرة التفاهم بشأن المشاورات الثنائية السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ونظيرتها في إسبانيا. كما جرى توقيع اتفاق تشجيع وحماية الاستثمار بين البلدين. وقال العاهل الإسباني خلال حفلة تكريمية له:"إن السعودية وإسبانيا جميعاً في الطليعة في الحرب ضد الإرهاب"و"إن الخطوات الاقتصادية التي اتخذها الملك عبدالله بن عبدالعزيز مهّدت الطريق لإيجاد مناخ من التفاؤل والثقة، وإيجاد آفاق جديدة للقطاع الخاص لجيل الشباب وللنساء كان بمثابة فاتحة جديدة لهن في البلاد. وتعتبر مدينة الملك عبدالله الاقتصادية خير مثال على ذلك وستكون بمثابة محرك نمو في المملكة العربية السعودية". فيما قال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في مؤتمر صحافي مع نظيره الاسباني خلال وقت الزيارة إن العلاقات بين البلدين في هذا الصدد تنطلق من أرضية مشتركة، فمدريد انطلقت منها عملية السلام في الشرق الأوسط وأسفرت عن وضع أسس للسلام على مبدأ الأرض مقابل السلام وقرارات الشرعية الدولية والرياض انطلقت منها المبادرة العربية للسلام على مبدأ الانسحاب الكامل مقابل السلام الشامل وأضاف الفيصل في حينها:"في ما يتعلق بالإرهاب فقد كانت السعودية وإسبانيا عرضة للهجمات الإرهابية التي استهدفت أمننا وأمن مواطنينا وكلانا يقوم بجهود كبيرة في التصدي لهذه الآفة الخطيرة سواء على الصعيد المحلي أو الدولي"، مشيداً بالمساهمة الفعالة لإسبانيا من خلال مشاركتها في المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي عقد في الرياض الذي كان له الأثر الإيجابي في الخروج بتوصياته التي استهدفت توثيق التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب بما في ذلك تبنّي المؤتمر مقترح المملكة بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب. ولم تأتِ الحماسة الاسبانية وتبني مقترح المملكة بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب من فراغ. فقد عانت إسبانيا كما عانت المملكة الإرهاب، وتبنت وجهة نظر متفهمة للتفرقة بين الإرهاب والإسلام، حيث تم الربط بين الاثنين بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001 في أميركا، لكن إسبانيا لم تتبنَ وجهة النظر هذه، حيث نفى وزير الدفاع الاسباني أثناء زيارته السعودية في تموز يوليو 2005 وجود أي علاقة بين الإسلام والإرهاب، قائلاً:"إنه من الجهل المطلق ربط الإسلام والإرهاب، مؤكداً أن الدين يدعونا لأن نكون أصلاء، وأن"الإسلامي والمسيحي"يدعوان إلى الأخوة وليس إلى الموت، ووصف الوزير العلاقات بين المملكة وإسبانيا بأنها متينة وقوية وقديمة. كما تم إعلان إنشاء صندوق ثنائي سعودي - إسباني بنحو 5 بلايين دولار مكون من عدد من رجال الأعمال في البلدين، ويعبر عن الثقة التي حصلت عليها الشركات من نمو العلاقات بين السعودية وإسبانيا. وفي إطار تضافر الجهود المشتركة لتطوير العلاقات السعودية - الاسبانية وإيجاد أسباب التعاون المشترك أطلقت وزارة الخارجية السعودية المنتدى السعودي - الاسباني، تعزيزا للمساعي الدؤوبة بين الدولتين لتبادل الآراء والخبرات والتجارب على الأصعدة كافة، والخروج بالتوصيات والمقترحات المناسبة التي تحقق غايات المملكتين. عندما توثّقت العلاقات السعودية - الاسبانية بالزيارات المتبادلة على أعلى المستويات، وبالشراكة الاستراتيجية التي شملت المجالات كافة، وبالاتفاقات الثنائية التي شملت كل الميادين، والأهم من ذلك كلّه، عندما ترسّخت بالمواقف المتشابهة إزاء قضايا المنطقة، وقضايا العالم، خصوصاً قضية السلام في الشرق الأوسط، التي لعبت المملكتان دوراً بارزاً في تذليل الصعاب التي تعترضها: إسبانيا عبر مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد عام 1991، وتمخّض عن إحدى أهم مرجعيات قضية النزاع العربي الإسرائيلي، ممثلاً في مبدأ الأرض في مقابل السلام. وسعودياً عبر المبادرة العربية للسلام، التي وضع أساسها خادم الحرمين الشريفين، عندما كان ولياً للعهد، ثم تحوّلت إلى مبادرة عربية، عندما تبنتها القمة العربية في بيروت في آذارمارس 2002، ولتصبح هي الأخرى أساساً للتسوية الشاملة والعادلة والدائمة المبنية على قرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمها القراران 242 و383. وبينت انه يمكن النظر إلى زيارة الأمير سلطان لاسبانيا، باعتبارها محطة جديدة في مسيرة العلاقات السعودية - الإسبانية ومؤشراً مهماً على تنامي تلك العلاقات وازدهارها، وما تحمله من آمال مشتركة في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وفي العالم، من خلال تضافر الجهود السعودية الإسبانية على هذا الصعيد. كما يمكن اعتبارها دليلاً آخر على تواصل الحوار العربي - الأوروبي على المستويات كافة. وعلى الصعيد الاقتصادي تم تأسيس صندوق استثماري بين رجال الأعمال في البلدين تصل قيمته إلى خمسة بلايين دولار للاستثمار المشترك في البلدين. وتعد السعودية ثاني أكبر بلد في الشرق الأوسط تصدر لها إسبانيا بمبلغ 770 مليون دولار سنوياً. ويصل حجم الميزان التجاري بين السعودية وإسبانيا إلى أكثر من 3.5 بليون دولار أميركي سنوياً، واشتملت حركة التبادل التجاري على منتجات الصناعة الكيماوية وما يتصل بها والمنتجات المعدنية واللدائن ومصنوعات الأنسجة والمعدات الطبية والجراحية والمصنوعات الخشبية وسلع ومنتجات أخرى. وفي إطار اهتمام وحرص المملكة العربية السعودية على إعمار بيوت الله وخدمة الإسلام والمسلمين في كل مكان وفي مناسبة تاريخية افتتح أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز في أيلول سبتمبر 1992 في حضور الملك خوان كارلوس المركز الثقافي الإسلامي في العاصمة الاسبانية مدريد. واحتضن قصر المؤتمرات في العاصمة الاسبانية مدريد في أيار مايو 2005 أياماً ثقافية سعودية اشتملت على عروض ثقافية وفنية متنوعة تعكس مدى أصالة الحضارة في شبة الجزيرة العربية.وتوصف العلاقات السعودية - الإسبانية بالقوية والوطيدة وهي في تطور من أفضل إلى الأفضل، كما إن إسبانيا تربطها مع السعودية علاقات أخرى اقتصادية واتفاقات ومعاهدات تم توقيعها، ومن المؤمل ضخ المزيد منها من خلال زيارة الأمير سلطان المرتقبة. كما أنها توصف بالعلاقات الاستثمارية القوية، تساندها في ذلك المواقف السعودية تجاه القضايا العربية معروفة في المحافل الإقليمية والدولية المختلفة والملفات الساخنة في فلسطين والعراق ولبنان والسودان والصومال، ما يعكس المواقف الثابتة للمملكة تجاه قضايا الأمتين العربية والإسلامية والتنسيق المستمر حولها لجمع الشمل العربي ونصرة قضاياه.