ربما كان الفنان السعودي فايز المالكي من أصدق من صور الشخصية المتعارف عليها والسائدة لدى المجتمع السعودي عن سائقي حافلات"خط البلدة"أبو ريالين، من خلال تأديته دور"مناحي"في مسلسل إخواني أخواتي الذي عُرض على التلفزيون السعودي رمضان قبل الماضي وحقق نجاحاً كبيراً. لم يعكس المالكي الصورة النمطية لدى السعوديين كاملة عن سائقي النقل الثقيل عموماً وسائقي حافلات"خط البلدة"خصوصاً لاعتبارات"رقابية"، إلا أنه وضّح ملامح كثيرة من هذه الصورة، فمناحي سائق الباص ذو اللونين البرتقالي والأبيض ظهر في المسلسل بشخصية الجاهل"العربجي"ذي الشوارب الطويلة، الفظ في تعامله مع الزبائن، الذي يحل مشكلاته اليومية باستخدام"العجرة"التي يحملها معه دائماً. إلا أن جولة قصيرة في أوساط سائقي"خط البلدة"تثبت لك أن النظرة السائدة عنهم"ظالمة"في جوانب كثيرة. فمن خلال جولة ل"الحياة"قضتها مع بعض السائقين، كشفت أن كثيراً منهم يخفون خلف هيئاتهم غير المرتبة وشواربهم الطويلة صفات أبرزها البساطة والشهامة والطيبة الخالصة. وعند محاولتك التجول في حافلة من ذلك النوع أوالتنقل عبرها من موقع إلى آخر، فإن أول ما يلفت انتباهك هو أن نحو 90 في المئة منها متهالك من الداخل والخارج، ما يفرض سؤالاً عن السر الذي ساعدها على التنقل في الشوارع ذهاباً وإياباً منذ ساعات الصباح الباكر وحتى ساعات متقدمة من المساء. يقول أبوصالح العمري وهو سائق حافلة"خط بلدة"في جدة منذ عشرين عاماً لپ"الحياة":"أنطلق من منزلي كل صباح، وأستمر حتى المساء قاطعاً الطريق المحدد لحافلتي ذهاباً وعودة لكل سائق حافلة خط محدد". ويضيف:"أعرف من خلال حركات وإيماءات متداولة بين سائقي الحافلات والركاب، عمّا إذا كان الشخص الذي يقف على طرف الشارع يرغب في أن يستقل الحافلة". وبما أن مستقلي"خط البلدة"من الفقراء أو محدودي الدخل، فإن سائقيها كثيراً ما يكتشفون أن بعض الركاب لا يملك مالاً. يقول أبو صالح:"غالباً لا تتم مناقشة هؤلاء الذين لا يملكون مالاً، ويتم إيصالهم إلى غاياتهم بروح طيبة". وتابع:"أنا وكثير من زملاء المهنة الذين عاشرتهم خلال الأعوام الماضية، نادراً ما نطلب المال من الراكب بل نكتفي بالنظر إلى الباب حين يطلب منا التوقف وهذه تعتبر إشارة إلى أن وقت دفع الأجرة حان". ويؤكد أنه في حال عدم دفع الراكب أكثر من مرة الأجرة، يتم طلبها منه صراحة قبل نزوله. وحول الانتقادات التي توجه إلى سائقي"خط البلدة"بسبب تهورهم، رد أبوصالح بهدوء، قائلاً:"إن الأمر يختلف من سائق لآخر، فهناك سائقون محترفون ويستطيعون تجاوز الضغط النفسي الذي يواجهونه خلال عملهم، ويحرصون على عدم المخاطرة بحياة 25 راكباً يستقلون حافلته". وحول ما تقوله بعض الجهات الحكومية مثل وزارة النقل ومديرية المرور إن ضرر حافلات"خط البلدة"أكثر من نفعها، أجاب:"على رغم أنني لا أرغب في الخوض في هذا الموضوع، إلا أنني أطالب هذه الجهات بعدم محاسبة جميع سائقي الحافلات على أخطاء ارتكبها بعضهم". ويضيف:"إذا كان لدى الجهات الحكومية ذات العلاقة نظام يضمن حقوقنا ومصدر رزقنا، فليطبق ونحن مستعدون للتعاون. فالحافلة ليست مشكلة بحد ذاتها، وإنما هي وسيلة ومصدر رزق لفئة كبيرة من الناس، فئة لا تجيد عمل أي شيء آخر غير القيادة والبحث عن الركاب". وتابع:"هناك جهات مسؤولة هي المخولة بدرس المشكلات التي تواجهنا وتضع حلولاً لها، ولن أشغل بالي بما يثار حول سلبيات حافلات"خط البلدة"، وكل ما يهمني أن أخرج صباحاً إلى طريقي المعتاد، متوكلاً على الله أن يهبني رزقاً حلالاً طيباً. وأسهم في خدمة الناس من خلال العمل الذي أجيده".