نصف قرن مضى، عاش العالم خلاله الكثير من التطورات والتحولات في المجالات؛ التقنية والنقل، وغيرها من المجالات، فيما لاتزال حافلات ما يعرف ب"خط البلدة" صامدة رغم وسائل التقنية الحديثة التي تتطور لحظة بلحظة. زادت العلاقة بين الإنسان، و"خط البلدة" في مدن المملكة خصوصاً منطقة الرياض، ومدينة جدة، حتى أصبحت ضرورة يومية في حياته، سواء لسائق تلك الحافة القديمة، أو المستفيدين منها في التنقل من المواطنين والمقيمين العاملين في البلاد. لم تكن حافلات "خط البلدة" بعيدة عن متناول اليد، بل كانت تمثل شيئاً مهماً، وأصبحت تمثل "رمزاً" من رموز الكفاح، والصمود في وجه المتغيرات، حيث ارتفعت الأسعار في الكثير من السلع، خصوصاً "البنزين" وبقيت أسعار خط البلدة ب"ريالين". تجاوز ملاك وقائدو تلك "خط البلدة" كل الصعاب والمشاكل التي واجهتهم طوال نصف قرن، أو أكثر مضت من عملهم فيها، حيث واجهوا الكثير من التحولات التي تطرأ بين فترة وأخرى من قبل الجهات المعنية بتنظيم حركة السير والنقل في المملكة. آخر تلك التحولات هي إعلان هيئة النقل العام عن تنظيم ومعالجة أوضاع الحافلات الأهلية "خط البلدة"، والتي يصل عددها إلى حوالي 600 حافلة، وإحلال حافلات جديدة مكانها خلال الفترة المقبلة. عبر رحلة في شوارع جدة على حافلات "خط البلدة" رصدت "الرياض"، آخر التطورات لحملة التنظيم التي انطلقت مؤخراً، ووقفت على أحوال السائقين، ومدى معرفتهم بذلك التنظيم، وكان القلق والخوف من المستقبل المجهول حاضراً على وجوه هؤلاء السائقين، إضافة إلى استمارات لاستبيان تم توزيعه عليهم. جيوب مثقلة ب"الديون"، وأعمار تجاوزت ال60عاماً لهؤلاء السائقين، وأسر تعيش وتقتات من خلف مقود "خط البلدة"، بل وأصبحت وظيفة رسمية لهؤلاء السائقين حيث يشقون طريقهم في ساعات الصباح الأولى وتمتد حتى السماء تاركين خلفهم أطفالاً ينتظرون ما سيجنيه "خط البلدة" من مبالغ مالية لسد حاجتهم. مصدر رزق وتحدث ملاك وسائقو حافلات "خط البلدة" إلى "الرياض"، مشيرين إلى أنهم يرغبون في التطوير، وليس التغيير، أو نقل أعمالهم إلى شركات القطاع الخاص، ويشتكون من المضايقات التي تواجههم من قبل سيارات الخصوصي، لاسيما وأنها مصدر رزقهم الرسمي، إضافة إلى سائقين أجانب بدأوا ينافسونهم في استخدام "خط البلدة" في نقل الركاب من طريق مستثمرين يقومون بشراء الحافلات، وتسليمها لهم دون رقابة من الجهات المعنية. يقول السائق عبدالله محمد البيشي والذي يعمل في "خط البلدة" منذ 40 عاماً تنقل فيها بين منطقة الرياض، ومدينة جدة، أنه لم يعد هناك مجال في زيادة معاناتهم التي يواجهونها في كل يوم، مشيراً إلى أن الحافلة أصبحت مصدر رزقه الوحيد لأسرته في كل يوم. وحول التنظيم التي أعلنت عنه هيئة النقل العام، أوضح أنهم مع النظام مهما كان، ومع التطوير، ولكن من خلال تطوير المركبات فقط، وتركهم يعملون دون إضافتهم في شركات القطاع الخاص، وتنظيم مواقف خاصة لهم في مدينة جدة، وإبعاد السائقين الأجانب، وسائقي الخصوصي عن العمل في "خط البلدة". وأضاف البيشي أنهم يعملون الآن كعمل "حر" يوفرون من خلاله مصروفاً لأبنائهم من خلال نقل الركاب، وتسهم في حل الكثير من المشكلات المالية، لكن مع إضافتهم للعمل كموظفين في شركات النقل ستزداد أوضاعهم سوءاً من خلال رواتب زهيدة، وساعات عمل طويلة. وطالب بأن يشمل التطوير إنشاء مواقف خاصة لحافلات "خط البلدة" في منطقة البلد، والبوادي، والمحجر، وغيرها من النقاط الرئيسية التي تتمركز فيها تلك الحافلات، وذلك من أجل تنظيم عملها في الشوارع، وتكون هناك محطات لتجمع الركاب. مزاحمة سائقي الخصوصي ويضيف سائق الحافلة أبو محمد، والذي يشتكي هو الآخر من مزاحمة سائقي الخصوصي لهم، مشيراً إلى أنهم يواجهون في كل يوم مشكلات عدة أبرزها دخول مجهولين لقيادة تلك الحافلات والعمل فيها، حيث يهربون فوراً بمجرد رؤية دوريات الأمن، إضافة إلى سيارات الخصوصي التي تقتحم المواقف لنقل الركاب. وأكد أنهم مع التنظيم التي تقره الجهات المعنية، ولكن بشرط عدم المساس بمهنتهم التي يجلبون من خلالها الرزق لأسرهم وسد حاجتهم، مشيراً إلى أن التنظيم يجب أن يكون في تجديد المركبات فقط. ويقول محمد علي بلقاسم والذي يعمل في "خط البلدة" منذ 25 عاماً، أن تلك الحافلات هي مصدر رزقهم كسائقين له، موضحاً أنهم يعملون من خلالها على توفير لقمة العيش لأسرهم خلال تلك الأعوام. وشدد على أهمية أن تتم معالجة المشكلات التي تواجههم من خلال إبعاد المقيمين عن العمل في تلك الحافلات، إضافة إلى حصر العمل فيها على المرخص لهم، وتحسين أوضاعهم. منافسة المجهولين ويرى السائق علي البركاتي، أن سائقي حافلات "خط البلدة" بحاجة إلى حماية مصدر رزقهم، مشيراً إلى أنه يعمل في نقل الركاب منذ 40 عاماً، وأصبحت تمثل جزءاً كبيراً من حياته اليومية، خصوصاً وأنها توفر له الصرف على أسرته. ولفت إلى أنه ينبغي على الجهات المعنية منع المجهولين وغير المرخص لهم من العمل في حافلات "خط البلدة"، موضحاً إلى أنهم يعانون بشكل يومي من اقتحام المجهولين لتلك المهنة، ومنافستهم على نقل الركاب في الكثير من الاتجاهات دون حسيب أو رقيب. وطالب إبراهيم الناشري، وعتيق السلمي بإيجاد حلول لحافلات "خط البلدة"، وأن يشمل التنظيم الجديد تحسينات، وتطويراً لعملهم دون إسنادهم لشركات القطاع الخاص، موضحين أنهم مع تجديد المركبات، ومنح رخص للعمل كونها أصبحت مهنة لهم منذ عشرات السنين، وتحملوا ديوناً كبيرةً في سبيل شرائها. حكاية عمرها «نصف قرن» لا يعرفها جيل اليوم! علاقة وثيقة، وأزلية نشأت بين "خط البلدة"، والمستفيدين منها خصوصاً من المقيمين، حيث تقدم خدمة كبيرة في تنقلهم من جنوبجدة إلى شمالها، ومن غربها إلى شرقها عبر أسعار ثابتة لا تتجاوز الريالين للشخص الواحد، وهو ما أدى إلى تشكّل تلك العلاقة الخاصة. ولاتزال تلك العلاقة القوية مستمرة رغم الظروف الاقتصادية، والمتغيرات التي تطرأ في كل يوم، إلا أن الخدمة التي تقدمها حافلات "خط البلدة" جعلت تلك العلاقة مع الركاب تتطور يوماً بعد يوم. "الرياض" رصدت تلك العلاقة بين "الركاب،" و"خط البلدة" من خلال رحلة لحافلة كانت تقل مجموعة من الأشخاص في طريقهم من باب مكة وسط البلد إلى شارع الستين تجاه حي البوادي. يقول الراكب الطاهر أحمد من دولة السودان، إنه يفضل التنقل عبر حافلات "خط البلدة" عن غيرها من المركبات، مرجعاً ذلك إلى تواجدها المستمر، وأسعارها المميزة التي تساعد الشخص في توفير مبالغ مالية فيما يتعلق بالنقل. وأضاف أن العلاقة ليست وليدة اليوم، بل نتيجة أعوام مضت، وهم يتنقلون في عدد من المواقع داخل مدينة جدة عبر حافلات "خط البلدة"، مشيراً إلى أن تلك العلاقة تطورت، واستمرت حتى الآن كونها الوسيلة المناسبة لهم كمقيمين في التنقل. وتحدث المقيم فتحي هزاع من اليمن، عن تلك العلاقة التي تربطه بحافلات "خط البلدة"، وعن سبب تواجده داخل الحافلة، مشيراً إلى أنها الوسيلة المناسبة لهم في التنقل منذ سنوات عدة. وأشار إلى أن الأسعار التي يدفعونها في النقل عبر حافلات خط البلدة مناسبة جداً مقارنة بوسائل المواصلات الأخرى التي تعمل في النقل، مشيراً إلى أن الكثير من المقيمين يفضلون التنقل بالحافلات. ويضيف محمد ناصر من اليمن، أنه لا يمكن أن يلغي العلاقة مع حافلات "خط البلدة"، لاسيما وأنها امتدت لسنوات، مؤكداً أنه لا يستخدم وسائل النقل الأخرى سوى الحافلات فقط، والتي تتوفر في منطقة البلد طوال اليوم، الأمر الذي سهّل عملية تنقله من منزله إلى مقر عمله. «هيئة النقل» تمهل ملاك الحافلات شهراً للتصحيح طلبت هيئة النقل العام من ملاك وسائقي الحافلات الأهلية، أو ما يعرف ب"خط البلدة" تعبئة نموذج بيانات عامة، حيث تم توزيعها على السائقين والملاك في جدة. وتحتوي الاستمارة -حصلت "الرياض" على نسخة منها- التي وزعتها عدة جهات من بينها؛ هيئة النقل العام، والهيئة العليا لتطوير منطقة الرياض، ووزارة العمل والتنمية الاجتماعيه، والمرور، وأمانة مدينة جدة. وطلبت جهات الاختصاص من ملاك الحافلات الأهلية "خط البلدة" تعبئة نموذج البيانات، وتسليمه قبل تاريخ 11/4/1439ه، حيث تضمن النموذج معلومات عدة عن ملاك الحافلات، وأسرهم، ووظائفهم، وأعمارهم، وبيانات الحافلات، وغيرها من الأمور الأخرى التي تضمنها نموذج الاستبيان. وكانت هيئة النقل العام، والإدارة العامة للمرور بدأت قبل أيام تنفيذ المرحلة الثانية من حملة حصر حافلات النقل العام الأهلية المعروفة ب(خط البلدة) في الرياضوجدة، لمراجعة وتدقيق بيانات الحافلات العاملة فعلياً في الطرق العامة، ومعلومات مالكيها، ومقارنتها مع البيانات المسجلة لدى الهيئة، من أجل إعادة تنظيم العمل في ذلك المجال. وستتولى عملية المراجعة لجنة مشكلة برئاسة هيئة النقل وعضوية ممثلين عن: وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، والإدارة العامة للمرور، والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، ومحافظة أمانة جدة. وسبق أن أكد المتحدث الرسمي لهيئة النقل عبدالله بن صايل المطيري، على أهمية سرعة تقديم البيانات الصحيحة وفق الوثائق الرسمية لهيئة النقل العام في مدينة الرياض أو إدارة النقل بفرع وزارة النقل بمنطقة مكةالمكرمة؛ لتتمكن اللجنة من تحديد الخيارات والبدائل النظامية المناسبة للتعامل مع الحافلات وملاكها، مشيراً إلى أن الحملة ستتوزع في عدة مناطق من خلال مفتشين ممثلين لهيئة النقل العام، موضحًا أنها ستتم على عدة مراحل، حيث توجد معالجة للحافلات الأهلية في 3 مدن كبيرة "الرياض، جدة، والمدينة". وأشار إلى أنّه خلال شهرين سيتم منع حافلات "خط البلدة" من السير في الطرق، واستبدالها بحافلات جديدة بمواصفات وخدمات مناسبة. مشيرًا إلى أنّ الحملة ستوزع استمارات بيانات على ملاك الحافلات الأهلية، لتوعيتهم بأهمية التعاون بتصحيح أوضاع الحافلات، أما غير الملاك فسيتمّ تعويضهم بالدخول إلى شركات الحافلات الجديدة. سائقو الحافلات: هذا مصدر رزقنا الوحيد مهلة التصحيح توشك على الانتهاء أصحاب الحافلات يشتكون من منافسة الأجانب سائقو خط البلدة لايزالون متمسكين بالمهنة رغم تطور وسائل النقل