يذهب الروائي عبدالحفيظ الشمري في عمله السردي الجديد"غُمَيس الجوع"إلى حدود الكشف الفاجع عن مآل الصحراء التي باتت الآن تسير نحو التلاشي والإمحاء في ظل سلطة المادة، وادعاء التحضر وبناء ثنائية التضاد في زمن جديد يدمر، وماضٍ داثر لن يعود. ليصبح البطل وفق هذه الرؤية السردية المتواثبة بصخب الحكايات، مزيج من الهم والجنون والتهور والطيش في قلب"الدهيني"بطل الرواية وشخوص آخرين يدورون حول هم الرمل الذي بات لا يحتمل. يُعْمِل الروائي الشمري أدواته السردية في حجارة المقولة التي ترسخت منذ زمن حول هم المفازة القاحلة والرمل النائي البعيد، فهو الذي يساوق الحدث تلو الحدث ليقدم للقارئ رؤية بانورامية جديدة عن عالم قديم ليتعرف القارئ على حقيقة مهمة تكمن في أن الرمل بنقائه والصحراء بشساعة بيدائها لم تعد هي تلك الملاذ، إنما باتت مسخاً مشوهاً لعالم من التناقضات والتحولات، التي بانت ملامحها في أول مواجهة بين الراعي الدهيني، وعالم الرمل الذي نفي إليه منذ زمن. في رواية"غميس الجوع"حال من الاستقصائية التي تفنن فيها الكاتب واستمد منها عناصر بوحه الشفيف عن مآل الصحراء في قلوب أهلها وروادها، فكان السرد شيقا حينما أضحى مزيجاً بين الفاجعة والمفاجأة غير السارة في مواقف أليمة، فلم تعد الصحراء هي ذلك العالم الفسيح والمترامي بأفقه اللا متناهي إنماء ضاقت أرض"غميس الجوع"وتخوم الحماد بما رحبت حتى باتت أضيق من خاطر المأزوم الذي لا يبارح حزن أهله. في رواية الشمري رحيل قوافل وحنين سيارات وهدير حكايات متناقضة عن حقيقة الإنسان في بيئة فقدت هويتها. فلم يكن بداً من أن تسجل الرواية موقفها من هذه التجاذبات فكان السرد للروايات والقصص والمقولات، هو محاولة لكشف الخلل الذي تعيشه الصحراء في روايته"غميس الجوع"التي بلغت نحو 172صفحة من القطع المتوسط صادرة عن دار الكنوز الأدبية ببيروت عام 2008م، وازدان غلافها بلوحة"الراعي"للفنان التشكيلي سمير الدهام.