أجمع الأكاديميون المشاركون في ملتقى النقد الثاني، الذي نظمه نادي الرياض الأدبي على مدى ثلاثة أيام، وسواهم من المشاركين والحضور على افتقار الملتقى إلى عدد من الأمور، وطغيان الانطباعية وشخصنة قضايا الأدب، إضافة إلى عدم وجود أسماء جديدة. انتظر هؤلاء ختام الملتقى ليصرحوا بآرائهم حول السلبيات، والتأكيد على إشكاليات النقد الكبرى، التي لم يتناولها الملتقى في فعاليته، على رغم الجهد الكبير المبذول في الناحيتين الكمية والنوعية التي قدمها بعض هؤلاء الأكاديميين أنفسهم، ولم تتخللها أية إشارة إلى الجوانب التي طرحوها. "الحياة"رصدت ملاحظات العديد من ا لمشاركين والحضور حول ملتقى النقد وانطباعاتهم. غياب الغذامي مشكلة يرى الدكتور حمد السويلم، الذي شارك بورقة حول النقد الانطباعي المحلي، أن الملتقى حقق كثيراً من أهدافه، وحضور الناقد التونسي حماي صمود أضفى شيئاً على حيوية الملتقى، لكنه استدرك بأنه كان يتمنى لو أن هناك حضور للناقد العربي من الخارج، وعلل:"لأننا نريد أن نعرف رأي إخواننا العرب في المستوى الذي توصل إليه النقد عندنا، وكنا نريد أن تتلاقح الأفكار وتتبادل الرؤى حول تطوير النقد المحلي والعربي بشكل عام". ويضيف السويلم في ما له علاقة بورقته النقدية:"إن إشكالية النقد المحلي بنظري أنه لا يزال واقعاً في إسار الانطباعية، وحتى أوراق الملتقى لم تخل من شيء من ذلك، ونتطلع إلى أن تكون البحوث المقدمة في الملتقيات المقبلة أكثر عمقاً وإيغالاً في المنهجية". وقال الشاعر عبدالله الزيد إن الملتقى يفتقد إلى"المناخ الصحي". واستدل على ذلك بعدم مشاركة الدكتور عبدالله الغذامي الذي يرى أنه "قامة كبيرة في الثقافة والنقد". وأضاف:"ينقص الملتقى النقدي وبشدة عدم وجود نوع من الشمولية، التي تتناول أعمال كثير من الأدباء الذين لهم حضور في الساحة النقدية". وحدد الزيد إشكالية مثل هذه الملتقيات بأنها"تكمن في تحميل العملية النقدية ما ليس منها". وذكر على سبيل المثال"تحول المشروع النقدي لدى من يؤدي مهمة النقد إلى الأمور الشخصية، وتبعاً لذلك يخرج المشهد الثقافي النقدي من الساحة الثقافية إلى ساحة المهاترات". أما الدكتور صالح بن معيض، الذي قدّم ورقة حول نقد السيرة الذاتية في المملكة، فانتقد المطالبين بالكمال في الملتقى النقدي، وذلك في رأيه يعود إلى"أي ملتقى لا يمكنه أن يكون كاملاً، وإنما الكلام مبتغى مثالي منشود"، لكنه علّق بأن من أهم ما كان ينقص الملتقى"حضور بعض الأسماء المحتفى بهم... حضورهم كان سيكون أكثر قوة وبهجة ولو اكتفوا بمجرد الحضور". ونعى على الملتقى قلة المشاركات النسائية، على رغم أنه وصف المشاركات التي جرت بأنها جيدة وقوية،"أتمنى لو كانت الأوراق المقدمة والمطروحة نسائياً أوسع، لكن من الجائز أن يكون النادي قد دعا بعض الناقدات واعتذرن لسبب أو آخر". لهاث خلف الصيحات النقدية ويعتقد الدكتور معيض أن إشكالية النقاد المحليين الكبرى طوال عقود"كمنت في حرص أكثرهم على اللهاث وراء آخر الصيحات النقدية". ويقول إنهم لو ركزوا على التوجه النقدي الواحد، لكان من الممكن للناقد أن ينجز شيئاً في إطار السياق الواحد". وعلل بأن"الانتقالات المفاجئة تعد من الأمور المربكة لمسيرة الإنجاز النقدي". واستدرك بأن ذلك"يمكن أن يكون أمراً طبيعياً بسبب علاقته بحركة المجتمع، والطفرات الثقافية والفكرية المفاجئة فيه". واختتم الدكتور صالح معيض بقوله:"الناقد المحلي ليس إقليمياً بطبيعته، ومع ذلك فهو مقصر في نقد الحركة الإبداعية، التي تفوق بمرات عدة ما يواكبها من حركة نقدية. والقول بضعف النتاج الأدبي، إنما هو شماعة لتعليق الكسل والتقصير من الناقد المحلي، ولذلك فأنا أتعاطف مع موقف الأدباء المنتقد والمدين للنقاد بشكل عام". وألقي اللوم على أساتذة الأدب السعودي في الجامعات،"لأنهم هم المعنيون بمتابعة الأدب وتقويمه، ولا أبالغ بأن النقاد غير الأكاديميين تفوقوا على الأكاديميين في متابعة وخدمة النص الأدبي المحلي". ووصف الشاعر محمد عابس الملتقى بشكل عام بأنه"يحتاج إلى مزيد من الانفتاح والتأسيس وإتاحة الفرصة للأسماء الجديدة في عالم النقد من الجنسين". وقال:"إن الملتقى غلّب حضور الأسماء المكررة من ناحية، أو التي لم يعد لديها ما تقدمه". وتمنى عابس من النادي الأدبي بالرياض في الدورة المقبلة"أن يتلافى ذلك ويؤسس لملتقى حقيقي للنقد، مع التركيز على إبداع من شعر وقصة ورواية، وبخاصة إنتاج المبدعين في السعودية". كما انتقد بشدة"غلبة الجانب الأكاديمي المرتبط بمدارس نقدية معينة غربيّة في الغالب"، مصرحا بأن النقد الأكاديمي"لم يؤسس لتوجه نقدي أو أكثر يبني عليها ويضيف لها ويتقاطع معها النقاد". ونتيجة لذلك أصبح، في رأيه، كل ناقد"له مشروعه الخاص إن وجد، أو أنه لم يتماسّ مع الإفرازات الإبداعية السعودية بالشكل الذي تستحقه إلا في ما ندر، ما جعل الإبداع يحلق بعيداً ويتجاوز كثيراً النقد نفسه". ضغط الجلسات وانتقد عدد من الحضور والمشاركين ضغط الجلسات، من حيث الكم العددي، وطالبوا بأوراق أقل في المرات المقبلة وبأوقات أطول لمداولة كل ورقة. كما أكد البعض مطالبتهم بضرورة التعرض للجانب النقدي المتخصص، بالأجناس الأدبية المتنوعة في الملتقيات المقبلة. وكان من أهم المطالب المطروحة طلب التعرض للمنجز النقدي لدول مجلس التعاون، باعتبار ذلك مفتاحاً للانتقال إلى قراءة وافية وشافية للمنجز النقدي العربي. كما ركّز الجانب النسائي بصفة خاصة على الرغبة في إقامة ملتقى نقدي دوري سنويّ، وليس كل عامين فقط. كما قدمت اقتراحات باستضافة نقاد عرب وعالميين في الملتقيات المقبلة تحقيقاً للتقاطع مع النقد العالمي. كما أن غالبية المرتادين والمشاركين أثنت على فكرة إقامة الملتقى في مقر سكنى الضيوف، لما يحققه ذلك من ارتياح في الحضور والانتقال بالنسبة إلى الضيوف القادمين من خارج المملكة، أو من داخلها.