احتدم الجدل قبل أسبوع في الإعلام السعودي حول استطلاع للرأي أجرته مؤسسة جيمس زغبي عن النادي الأكثر جماهيرية في المملكة، والنتائج التي راقت لبعضهم وهاجمها بعضهم الآخر لم تكشف لنا معلومات مذهلة، لكنها منحت الفرصة للناس وللمرة الأولى ربما للتعرف على توجهات الرأي العام حول قضية معينة او ظاهرة جديدة وكل ذلك يتم بمنهجية علمية دقيقة. لن أناقش مع القارئ نتائج تلك الدراسة، فلست معنياً بمن يشجع مَنْ في هذا البلد، ولا النادي الأكثر جماهيرية، أو الأكثر كراهية. لكنني اشكر الرياضة مرة أخرى، لأنها فتحت الباب لموضوع حيوي وهو استطلاعات الرأي، التي يرى كثير من المتخصصين أنها وعلى رغم أهميتها الكبيرة في خطط التنمية ومشاريع التطوير والتحديث، إلا أنها لا تجد التشجيع في بلادنا وفي بلدان عربية أخرى، وبعضهم يصنفها بأنها ترف فكري لا ضرورة له. استطلاعات الرأي العام ليست محصورة في السياسة التي تصيب المؤسسات الحكومية ببعض الحساسية، بل هي تمتد إلى خارج ذلك، لتشمل جوانب كثيرة في حياتنا الاقتصادية والاجتماعية، وهي مفيدة لصناع القرار، لأنها تمنحهم أدوات جديدة تبنى على المعلومة والتحليل، ما يمنح سنداً قوياً للقرار ولعمليات إدارة المشاريع التنموية وتوجيهها، ولا أظن أن مسؤولاً كبيراً سيرفض إهداءه نتيجة اختبار لمواقف الناس نحو قضية تهمه لتسبق قراراً مهماً أو تطبيق لائحة جديدة أو نظام حديث يغيّر الطريقة التي اعتادها الناس. نحن بحاجة لإدخال هذه الأداة المهمة في مؤسساتنا ومكاتبنا، وبحاجة ايضاً لمثل هذه الثقافة التي تعنى بتوجهات الرأي العام ان تكون جزءاً من الحياة العامة في بلادنا، ولك ان تتخيل اننا بهذه القدرات الكبيرة التي تمنحها لنا استطلاعات الرأي يمكن أن نكشف اللثام عن القيم السائدة في بلادنا، وتلك التي تبرز أخيراً، وتلك التي تتراجع إلى آخر القائمة، أو عندما نتعرف على مشاعر الناس ومواقفهم تجاه القضايا الراهنة، كتلك التي اعتدنا متابعتها في مجتمعات أخرى عن ثقة الناس بالإعلام المحلي، وانطباعاتهم عن أداء الأجهزة الحكومية، وعن مشاعر الثقة وعدم الثقة والشعور بالأمن أو الخوف. ليس هذا فحسب، بل إننا يمكن بهذه الأداة أن نرصد التفاؤل والتشاؤم تجاه المستقبل وثقة الناس بالأيام المقبلة، وبما أن استطلاعات الرأي العام هي قراءة للمزاج العام أو المزاج الشعبي وموقفه من مسائل جدلية، فهي ليست مهمة فقط لصناع القرار، بل هي مهمة للناس أيضاً، لأنهم شغوفون دوماً بمعرفة موقف الآخرين من القضية نفسها والتعرف على موقف الأغلبية، وأين تقع مواقفهم هم ضمن الرأي العام. اما وقد دخلنا عصراً جديداً أساسه الاتصال والعولمة، وقد قررنا بإصرار وترصد ان نصبح جزءاً فعالاً من هذا العالم، نؤثر فيه ونتأثر به، فإنه بات لزاماً السماح ببناء مراكز دراسات متخصصة في دراسة استطلاعات الرأي العام والدراسات الإحصائية، وأن نمنحها الحرية الكافية، لنتمكن من الحصول على رؤية ناضجة لكل حقائقنا وظواهرنا. [email protected]