على رغم الضخ الحكومي الهائل من موازنات ضخمة تعد تاريخية في بلادنا رصدت للتشييد والبناء الا أن المقاولين السعوديين في ورطة، وبدلاً من أن يتسابقوا للفوز بالعقود آثر كثير منهم الانزواء والانتظار وبعضهم الانسحاب وتحمُّل الخسائر في حين واصل آخرون مغامرة تقديم العطاءات لمشاريع لا يمكن التنبؤ بكلفتها. تعرضت مواد البناء الأساسية لارتفاعات سعرية كبيرة، وبعض المواد قفزت ثلاثة أضعاف سعرها في عامين فقط كيابل الكهرباء مثلاً والآن فهمنا سر الاقبال على سرقتها، وأدى الطلب المرتفع على الخامات الأولية ومواد البناء ليس فقط في رفع السعر، بل أيضاً الى تدني المعروض منها، ولك أن تسأل عن حيل المقاولين للحصول على حصص كافية من الحديد والأسمنت وبعضهم يلجأ إلى الواسطة او الشراء من مناطق بعيدة ونقل المواد مئات الكيلومترات لتصل الى موقع المشروع. القضية باختصار هي أن الزيادة الكبيرة شملت أسعار مواد البناء والخامات الأولية وحتى الآليات والمعدات المستخدمة في التشييد وفي كل وسيلة نقل وفي رواتب الأيدي العاملة لتؤثر في كل مشروع قائم منذ عام وعامين، ومنذ ستة اشهر والمشاريع القائمة تواجه أزمة تسليم من المقاولين. أما المشاريع المقبلة فتواجه أزمة في إيجاد مقاولين شجعان يقبلون بطرح عطاءات اقرب للمغامرة، بل ربما المقامرة وسط تقلبات سعرية تقفز بالأسعار الى حدود غير معروفة. هي ليست مشكلة بل مشكلتين، الأولى في مشاريع كثيرة تتعرض الآن للضغوط في موازناتها، لأن حجم عطاءات المقاولين اصبح يقل عن الكلفة بعد أشهر من بدء التنفيذ إثر الارتفاعات المتصاعدة، ما يعني التوقف وتحمُّل الخسائر او التظلم لدى الجهات المعنية، وهو امر قد يطول او قد لا يحسم، والمشكلة الأخرى ان لا احد من المقاولين يقدم على عرض عطاءات مستقبلية لأي مشروع ما لم يضع هامشاً عالياً لاحتواء التضخم المتوقع ضمن فترة التنفيذ، وهذا الهامش - وبحسب تقارير اقتصادية - يفوق الموازنات المرصودة للمشاريع ب80 في المئة، ما يعني ان ترسية المشروع على مقاول مناسب أمر مستحيل. مع حجم المشكلة وضخامتها لا بد من قيام الجهات الحكومية المعنية بدورها بسرعة للتوصل الى حل مناسب لصياغة عقود إنشاء جديدة تحدد نسباً مرنة في أسعار المواد ضمن بنود العقود لتقليل حجم الخسائر التي قد تلحق بالمقاولين، والتي يمكن ان تؤثر في خططنا المقبلة في التشييد والبناء ويؤخر انشطة تالية في التعليم والصحة والمواصلات نحن بأمسّ الحاجة إليها والملايين ينتظرونها ولا يمكن ان نعطلها من أجل سعر طن الحديد المختلف عليه! [email protected]