عوالم غريبة يعيش داخلها"المسحور". ربما تكون خارقة للطبيعة، ولكن هل يصدقه أحد؟ العقل البشري لا يقبل إلا ما يراه على رغم حب الاستطلاع والفضول اللذين جُبل عليهما الناس، إلا أن عدم تصديق"المسحور"في ما يراه هو، ولا نراه نحن يجعله يحيا في عالم خاص وحيداً ومعزولاً بين الوعي واللاوعي، وبين الحقيقة والخيال. وكما يعاني"المسحور"من معاناة داخلية تشير إليها تصرفاته فعلاً وقولاً، يعاني معه ذووه معاناة لا تكاد تقل عن معاناته هو، سواء أكان ذلك بشكل مادي أم معنوي، وقد تصل إلى المعاناة الاجتماعية في البحث عن أفضل المعالجين له، أو في تهدئته وإمكان التعايش معه حتى يسترد صحته. وتقول عزيزة 34 سنة:"أكاد أجن مما أرى وأشعر من حولي لكن لا أحد يصدقني، ولأنني متعلمة وأعرف جيداً أن الطب وحده يمكنه إيجاد علاجي، اقتادني والدي أكثر من مرة إلى الطبيب النفسي الذي لا يأبه إلا بأن يعطيني عقاقير لانفصام الشخصية، بحسب تشخيصه". وتحولت شخصية عزيزة من شخصية مرحة واجتماعية إلى شخصية منزوية وانطوائية بحسب ذويها، إذ تقول شقيقة عزيزة:"كنا نعتقد أنها تتخيل، فقد يتهيأ لها دائماً شخص قبيح الوجه، وغالباً ما يظهر لها في أوقات العادة الشهرية". وتقول والدة عزيزة التي سعت لبيع مجوهراتها بغرض علاج ابنتها عزيزة عند أحد المعالجين:"حسبي الله ونعم الوكيل على من ضر ابنتي، لأن ما تعاني منه ليس طبيعياً من هزال وضعف وإعياء، واصفرار في العين ودوار دائم، فضلاً عن بكائها بصوت عال حينما تسمع القرآن الكريم يُقرأ، وذلك لا يمكن أن يكون مرضاً جسدياً ولا نفسياً". أما ريم 28 سنة ولتي تعاني من صداع شديد يزداد عند سماع القرآن الكريم، كما أن شعرها الكثيف تساقط أكثر من نصفه، فتؤكد والدتها بقولها:"إن ابنتي ترى كوابيس أثناء النوم ثم تستيقظ وهي تصرخ أن أحدهم يكتم على أنفاسها، ويجثم فوق جسدها النحيل، وكنت في بادئ الأمر أحصنها بما أستطيع من القرآن"، وتستطرد بنبرة مليئة بالخوف"لكنني فوجئت في احدى الليالي وأنا أحصنها بالمعوذات بدفعها لي بقوة على الأرض، وصراخها في وجهي ألا أقرأ عليها هذه الآيات مرة أخرى وما أفزعني أن الصوت لم يكن صوت ريم الهادئ، وليست تلك تصرفاتها الوديعة". وهنا بدأت والدة ريم في التوجّه إلى الشيوخ، وأضافت:"ظننت أن ابنتي بها مسّ شيطاني، ولكن بعد أن قرأ عليها الشيخ وتعرف على الجني الذي تسلط عليها بفعل سحر صنع لها حتى لا تتزوج، مكرراً أنه هو السبب في مرضها وهزالها، وهنا تأكدنا أن ما تعانيه هو السحر، حتى أنها تركت وظيفتها، إذ كانت تعمل ممرضة في أحد المستشفيات". وغالباً ما يقوم ذوو"المسحور"بإخفاء ما يحدث لابنهم او ابنتهم عن المجتمع، ويأتي ذلك متصلاً بمعاناة ذوي المسحور الذين يعيشون لحظات من المعاناة من دون النطق بها، وحتى علاجهم لمسحورهم يأتي في أجواء من الكتمان، وتقول سمية التي تعاني مع كل معاناة يراها زوجها في ما يحل به:"إن ما حل بزوجي وبنا كأسرة تعيش حياة هادئة وطيبة ما هو إلا امتحان وابتلاء من الله عز وجل، ومعاناة زوجي ليست معاناته وحده لأنني أعاني معه كثيراً، إذ إنني أخشى على أبنائنا منه لأنه وبمجرد أن تبدأ فترة العلاج وتلاوة القرآن عليه يصبح قوياً جداً على رغم خموله وعدم مقدرته على أداء واجباته الزوجية، ولا واجباته تجاه أبنائنا، إذ وصلت به الحال إلى ترك عمله، حتى ضاقت بنا الأحوال".