الاستقبال الحافل الذي لقيه ولي العهد في زيارته الحالية للعاصمة القطريةالدوحة، كفيل بأن يُسقط من الذاكرة أي تساؤل قد يُطرح حول فترة السنوات الست العجاف في العلاقات السعودية - القطرية، التي أنهتها زيارة رجل دولة كبير بحجم الأمير سلطان بن عبدالعزيز للدوحة... هذا القائد الذي يتحرك وفق سياسة محكمة من العقلانية والواقعية والاتزان، تعكس حقيقة التوجه العام لحكومة خادم الحرمين الشريفين، القائم على لم الشمل وتمزيق صفحات الخلاف بين الأشقاء بشيء من السماحة والود. إن زيارة ولي العهد إلى قطر ربما - وبقراءة عميقة إلى حد ما - تعد بالنسبة للمواطن القطري والسعودي على حد سواء زيارة إستراتيجية، خصوصاً في ظل الأزمات والقضايا والملفات الساخنة المطروحة أمام الزعماء العرب في الوقت الحاضر، فالمنطق الذي تقره السياسة ? أحياناً ? يقول إن الوقت الحالي ليس وقت تمزق أو تشتت خليجي، والمنطق نفسه يقول إنه مطلوب من المملكة، الدولة الكبرى الآن ومركز الثقل في المنطقة والعالم العربي، أن تسعى لاحتواء أي خلاف قد يحدث، أو قائم بالفعل بين دول الخليج أو الدول العربية، حفاظاً على الأمن العربي الذي يدخل ضمنه أمن الخليج بشكل عام واستقراره. فضياع الإحساس بالأمن كفيل بتمزيق وتشتيت أي إنجازات اقتصادية أو اجتماعية أو علمية في أي بلد على الإطلاق. الأمن ليس فقط في صورته التقليدية المعروفة العسكرية أو الأمنية، على رغم أهميتهما المطلقة في الاستقرار وتحقيق نمو المجتمع، بل الأمن مطلوب حتى في مجرد الإحساس بأن ثمة حالة من التصالح والود بين أبناء شعوب المنطقة قائمة، والإحساس بأن الجميع يمضي في سفينة واحدة ويسعى لهدف واحد هو الاستقرار، وهو ما أكده ولي العهد في الدوحة حينما أشار إلى أن العلاقات السعودية القطرية ليست علاقات وليدة لظروف طارئة، بل هي علاقات قرابة ودم من قبل ومن بعد، وهو الشعور نفسه الذي ينتاب كل المسؤولين في البلدين، بدءاً من وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني وانتهاءً برجل الشارع والمواطن العادي الذي أكدت حفاوة الاستقبال هذا الإحساس وعززته لدى كل المراقبين والمهتمين بهذه الزيارة. لقد أخبرني أحد الزملاء الإعلاميين في الدوحة أن هناك حالة من السعادة الغامرة والرضا التام عن هذه الزيارة لدى الإدارات الرسمية والشعبية، لمسها من تصريحات وتنويهات المسؤولين وحوارات الأصدقاء العاملين في الوسط الإعلامي، فالجميع اتفق على أن زيارة ولي العهد إلى الدوحة حملت في طياتها مواكب من الفرح المشبع بالأمل، وإن كان أهم ما لفت انتباهي إليه هذا الزميل، هو أن الجميع ينظر الآن إلى التحرك السعودي على أنه تحرك وفاقي وتصالحي للحد الذي رسخ قناعة لدى الشارع العربي بشكل عام، بأن أي قضية أو ملف تتدخل فيه المملكة بحجمها وثقليها الدولي والإقليمي كفيل بأن يحل أو - على الأقل - كفيل بتحقيق شيء من الشفافية حوله من دون أجندات أو مصالح، فالمملكة الآن تنهض بدور مؤثر وفعال من التقصير وصفه بالإقليمية، فهو دور دولي وعالمي... والأمثلة كثيرة لا تحتاج إلى توضيح حتى في ظل الأزمة اللبنانية المعقدة بفعل فاعل والمشتتة للوحدة الوطنية اللبنانية، فإن المملكة وبشكل مباشر تدخلت وما زالت بما يخدم الوفاق بين الفرقاء اللبنانيين، حتى أولئك الذين يحملون أجندات يطبقونها لمصلحة دول أخرى يفضلونها على مصلحة وطنهم ووحدة ترابه وشعبه. وهذه السياسة لم تكن وليدة مصادفة، بل هي نتاج منظومة فكرية مهمة ومنسجمة، يرأسها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، ويلتزم بها المنسوبين إليها كافة، فهناك حال من الاتفاق الصامت الدقيق بين أفراد الحكومة كافة شبيهة بدقة تروس الساعات السويسرية العريقة، فالجميع يعمل بهدوء واتزان ودراية تامة من أجل الدفع بالمملكة إلى الأمام، وهو ما تحقق ويتحقق دوماً بحمد الله. [email protected]