كُتب علينا ان نعيش في منطقة تشهد في كل فترة حروباً ومذابح دموية لم تقدم نتائج ملموسة للقضايا العربية المعاصرة، بدءاً من حروب العرب ضد إسرائيل في القرن الماضي، وحروب الخليج الثلاث، وما نتج عن تلك الأفعال من كوارث وقتل وتشريد للشعوب العربية، سواء في العراق او فلسطين او لبنان وغيرها من الدول، والنتيجة النهائية دائماً لتلك الحروب هي الهزائم والنكسات، وما نتج من جراء ذلك من التخلف والنكوص للوراء في مشاريع التنمية الحقيقية للإنسان العربي، وتبديد ثروات الأمة في سبيل طموحات سياسية فردية، تغلف أحياناً باسم العروبة، وأحياناً باسم الإسلام وهو ما يجري في وقتنا الراهن، حيث تقود حركات إسلامية متشددة، مثل حزب الله وحركة حماس والجهاد والقاعدة وبقايا اليسار العربي، الشارع العربي في تجربة خاسرة تقوم على أساس تخوين الأنظمة العربية الحاكمة وتكفير ودفع الشعوب العربية إلى اليأس والإحباط حتى تسيطر عليها تلك القوى بخطاب مشوش، ولكن في نهاية المطاف نجد ان الشعوب العربية هي من يدفع الثمن جراء تلك الأعمال غير المسؤولية، خصوصاً أبناء الشعب الفلسطيني، الذي تسيطر على جزء منه حركة حماس في قطاع غزة، والتي تقود حرباً بالوكالة لبعض الأنظمة مثل النظامين الإيراني والسوري، فطهران لها أجندتها ومطامحها الخاصة في المنطقة، فهي تبحث عن دور محوري في منطقة الشرق الأوسط وتحاول ان تحسن موقفها في ملفها النووي، إننا فقط نسأل أين إيران من الحقيقة وهي تتباكى على فلسطين وتدعم في الوقت ذاته"حماس"ضد السلطة الشرعية الفلسطينية، على رغم الاختلاف المذهبي بين الطرفين، إضافة إلى ان طهران لا تزال تحتل أراضي عربية في الخليج ولا تتوانى من فترة لأخرى عن التذكير بأطماعها المزعومة في بعض بلدان الخليج العربي، أما النظام في سورية فهو يكرر السيناريو نفسه الذي حدث في حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل، فقد انكمش داخل حدوده وترك لبنان كدولة وشعب يواجه التدمير والانقسام في حرب يعتقد الكثير ان حزب الله قد انتصر فيها، ولم يسألوا أنفسهم عن النتائج السياسية التي تحققت على الأرض بعد تلك المغامرة، فقد ضحى الشعب اللبناني بالكثير من أبنائه ومن مقدراته في قضية لم يستشر فيها، بل ان من قام بها في خضم الصراعات الإقليمية لم يتردد في ذلك الحين بقتل وتخوين أبناء الشعب اللبناني وتدمير بعض المنشآت اللبنانية في جزء من العاصمة اللبنانية. وللأسف يتكرر المشهد في قطاع غزة، حيث مشاهد القتل والأشلاء المتناثرة في الشوارع على يد الآلة العسكرية الإسرائيلية، حيث ان الحرب المعاصرة اصبحت تنقل على الهواء مباشرة إلى شعوب العالم ولكن ذلك لم يغير في نتائج الحروب، بل إنه يزيد من الإحباط والحزن عند مشاهد الموت الحي على شاشات التلفزة، والخوف ان تتحول الحروب الحقيقية إلى متعة في البرامج التلفزيونية في العالم، أما في العالم العربي فقد خرجت الجماهير إلى الشوارع في حركات احتجاجية مشروعة، ولكنها للأسف لن تغير الواقع المزري بأي شكل، لا يوجد من يشكك في حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الصهيوني بكل أشكال النضال المشروعة، ولكن المتابع للأحداث في المنطقة يستغرب تصعيد"حماس"الأخير عند انتهاء فترة التهدئة مع الجانب الإسرائيلي، حيث بدأت بإطلاق صواريخها محلية الصنع والتي تتميز بالضعف من حيث القوة في إصابة الهدف او من حيث المسافة التي تصل إليها، فبعض هذه الصواريخ تصيب أهدافاً فلسطينية، كما حدث الأسبوع الماضي، عندما سقط إحداها على منزل مواطن فلسطيني في القطاع. ان حركة حماس ومن يقف وراءها يعتقد بأنه يحرج الأنظمة العربية، خصوصاً التي تقيم علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل، ولكن الحقيقة ان هذه الدول لها مصالحها التي ستحافظ عليها سواء على المستوى الإقليمي او الدولي، ولا يعني ذلك ان تلك الدول العربية شريكة في هذه المجازر على المستوى السياسي. إن المملكة العربية السعودية وقفت ولا تزال مع أبناء وقيادة الشعب الفلسطيني على مسافة واحدة، وقد توجت تلك الجهود باتفاق مكة الذي أفشلته بعض القوى الفلسطينية مدعومة بقوى إقليمية تسعى ولا تزال إلى تصعيد الموقف في الأراضي العربية المحتلة في سبيل حدوث مواجهة عسكرية مع إسرائيل، ان إيران هي الرابح الأوحد في مثل هذه المواجهات الدامية سواء في لبنان او في القطاع، فهي تؤجل المواجهة مع إسرائيل والغرب وتصدر صدامها إلى الأراضي العربية بحيث تخلق نوعاً من الفوضى بين الشعوب العربية وحكوماتها، وتصبح الدول العربية التي تسعي لحل سياسي للقضية الفلسطينية مثل ما هو مطروح في المبادرة العربية وكأنها تفرط بالحقوق العربية، خصوصاً ان المبادرة العربية بدأت في الآونة الأخيرة تلقى القبول من جميع الأطراف الإقليمية والدولية في ظل ادارة أميركية مقبلة. ان دماء أبناء الشعب الفلسطيني في القطاع ليست رخيصة لهذه الدرجة، فالانشقاق والتفرد بالسلطة هو ما جعلنا نصل إلى هذه النهايات الحزينة المفجعة، أما التخوين لقوى الاعتدال والعقلانية فإنه سيستمر مع الأسف، أما قيادات تلك القوى المتشددة، فنقول لهم إن تاريخ رمز مثل ياسر عرفات يستحق الوفاء لمبادئه التي سار عليها. [email protected]