الاعتداء الإسرائيلي على «أسطول الحرية» في المياه الدولية وقتل الجنود الإسرائيليين بعض الناشطين السياسيين، معظمهم من الجنسية التركية، خلق أزمة خطرة في إقليمنا العربي قد يكون لها انعكاسات على التوازن السياسي في المنطقة، خصوصاً مع الفراغ الذي يزداد من أصحاب المنطقة أي العرب. فمرة نجد الاختراقات الإيرانية لعالمنا من إيران مباشرة، أو من وكلائها في المنطقة مثل «حماس» و«حزب الله» وغيرهما، هذا الضعف والانهيار في النظام العربي الرسمي هو ما أعطى إيران سابقاً الفرصة للتغلغل في دولنا وتحريك الشارع العربي والسيطرة عليه من خلال إعلام فضائي موجه، وهو للأسف ناطق بالعربية ويوجد على أراضٍ عربية ويعمل على تعميق الطرح المتشدد، سواء الإسلامي أو القومي في منطقتنا، إضافة إلى أن هذه الوسائل الإعلامية تعمل بتتييس العرب والعمل على جعل هذه الجماهير تفقد ثقتها في أنظمتها وهو ما قد يهدد الدول العربية الهشة في تكويناتها المتعددة. خلال متابعة ما يجري من ردود أفعال على عملية القرصنة الإسرائيلية ضد أسطول الحرية يتساءل المتابع: أين من يدعون تحرير فلسطين والقضاء على إسرائيل كدولة؟ إنهم يتوقفون عن القيام بأي عمل عسكري ضد إسرائيل ويملؤن السماء بالصراخ والتباكي على من قتل من المحاصرين من أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، إن الخيبات التي نعيشها أفرزت هذا العجز والإحباط من بداية المرحلة الشمولية التي أسس لها النظام الناصري في مصر، لقد أصبحت قضيانا القومية عملة يتاجر بها الكل إلا نحن فقط مكتفون بالتناحر في ما بيننا على أدوار واهية. إن منظمات المجتمع المدني في الغرب صادقة وخيرة في جهودها لفك الحصار عن الشعب الفلسطيني، وأن قضايا التجويع والعزل تمثل هاجساً إنسانياً لهؤلاء الخيرين من جميع الشعوب ويجب علينا مساندتهم والوقوف معهم إذا كان هناك من طريقة ممكنة، ولكن ما يثير المخاوف الحقيقية هو توظيف بعض الجماعات الفلسطينية المتشددة لهذا الموقف الدولي المعارض لإسرائيل في قضية الصراع الفلسطيني الفلسطيني، إن الزخم الدولي المتنامي مع الفلسطينيين يجب أن يستغل لتوحيد الصف الوطني الفلسطيني وليس لتخوين السلطة الوطنية الفلسطينية، إن مثل هذا الاصطفاف بين القوى الفلسطينية سيجعل العالم والمتعاطفين معهم يعمل بجد لإيجاد حل سلمي يرضي جميع الأطراف، أما في حال استمرار مثل هذه الفرقة فقد يمر هذا الموقف الدولي المناهض للتصرفات الإسرائيلية من دون الاستفادة الحقيقية منه وتوظيفه على ارض الواقع كمكاسب سياسية، إضافة إلى أن أي تصرفات تصدر من القيادة في غزة كإطلاق صواريخ أو عمليات انتحارية، وهذه احتمالات واردة قد تقلب الطاولة لمصلحة إسرائيل وتحرج المنظمات الإنسانية الداعمة لفك الحصار عن غزة.المشهد يتكرر في بيروتوطهران: فقط الخطابات الرنانة والتهديد بالموت لإسرائيل، أما الواقع فهي شعارات وخطابات تعبر عن الخيبة التي نعيشها في عالمنا من إحباط وتخبط، كما هي الحال عند حرب صيف 2006، عندما دمرت البنية التحتية في ذلك البلد الجميل باسم حروب تدار بالوكالة لمصلحة إيران وتعمل على تحقيق انجازات ونجاحات في مفاوضاتها مع الغرب حول ملفها النووي على حساب القضايا العربية، ولكن في وقت الأزمات - وهو ما نعيشه هذه الأيام - يصعب التفكير وإبداء الرأي المخالف لما هو عليه الشارع العربين وهذا للأسف، موجود حتى لدى النخب الثقافية والسياسية في دولنا، وهذا في اعتقادي جزء من الأزمة التي نعيشها في عالمنا العربي التي تعبر عن أشكالها بأزمة الشمولية في التفكير والاعتقاد وعدم الانجرار نحو قيادات تؤجج شعارات لإنقاذ العالم العربي من أزماته وهو في الحقيقة جزء من المشكلة وليس الحل. إن من حقنا ان نطرح تساؤلات حول الدور التركي الذي تقوم به أنقرة في الشرق الأوسط، فتركيا دولة مهمة وحليفة للغرب في الحرب الباردة وقامت بأدوار بارزة في عملية الحرب الباردة ضد المعسكر الشيوعي، وأنقرة إلى فترة قريبة وما زالت حليفاً استراتيجياً لإسرائيل، بل إنها تردد في تداعيات هذه الأزمة الناشبة أنها الحليف الوحيد لإسرائيل في المنطقة، والكل يتذكر الدور التركي بين دمشق وتل ابيب في مفاوضات سلام غير مباشرة بين سورية وإسرائيل، إضافة إلى الدور التركي في العراق ومع إيران في قضية ملفها النووي وتوصلها لاتفاق بين طهران وانقرة وبرازيليا لاتفاق نووي يؤجل فرض عقوبات مشددة على إيران. السؤال الذي يطرح نفسه: أين تركيا من كل هذه القضايا؟ هل الدين أو التاريخ أو المستقبل هو ما يجعلها تعرض علاقاتها مع أهم حلفائها في المنطقة للخطر والتصدع؟ [email protected]