هي رحلة يتحوّل فيها الجسد من كونه ماكينة، تؤدي حركات مقننة مدروسة، إلى طاقة أثيرية تتأجج بين السماء والأرض، تصل بين العقل والروح والمادة. استطاع الثنائي الراقص، ماثيو سبارما وعزت إسماعيل، تحويل الجسد إلى لغة ثرية مشتركة لتمازج الثقافات الأورومتوسطية من خلال عرض للرقص الحديث والمحافظ بعنوان «سفرلوغ»، استضافه المركز الفرنسي في الإسكندرية، وجمع بين الراقصين المصري والفرنسي ليضيئا على رؤيتيهما المتباينة - المتقاطعة. يبحث مشروع «سفرلوغ» عن زوايا جديدة لاستكشاف نهج بديل للرقص المعاصر، ويطرح أسئلة حول ما إذا كان محض حركة جسد، ترتقي، وصولاً إلى حرية هذا الجسد؟ أم إنه يبقى ضمن التشكيلات الحركية الجمالية؟ ويأتي العرض المتفجر طاقة، تعبيراً وفكراً، نتاج ورشة عمل، إذ يؤكد الراقص المصري عزت إسماعيل فكرة تزويد المشاهد طرقاً مختلفة لفهم الرقص كلغة عالمية للتعبير، أكثر من كونه مجالاً نخبوياً، خصوصاً في مصر، حيث يمثل ذلك بداية عهد جديد من الحرية وتطوير الذات. يعمل كل من إسماعيل وسبارما في مجال مختلف عن الرقص المعاصر. فإسماعيل مهندس معماري، وبارما محاسب. وقرر كل منهما فجأة، قبل خمس سنوات، أن يغير حياته ويحترف الرقص، ما عرّضهما لرفض المجتمع والعائلة. يقول إسماعيل: «يجب أن يقرر كل منا حياته بنفسه، بإرادته وباختياره الشخصي، وفي مصر لم يتقبل أحد مني هذا التغيير، وهذا ما اختبره ماثيو أيضاً، لكن إصراري على تحقيق ذاتي وإشراكها مع الآخرين ساعدني على النجاح». وأضاف: «التقيت ماثيو سبارما في ورشة للرقص المعاصر في جنوب أفريقيا العام الماضي، ضمت 32 فناناً من بلدان مختلفة، وشارك فيها مصممو حركة «كريوغرافر» وإضاءة وصوت وسينوغرافيا لمدة أسبوعين. وقررنا، أنا وماثيو، ألا نوقف العمل بل أن نستمر به، فقد حان الوقت لتبني تجارب جديدة. ووجدنا مصر المكان الأنسب، ليس فقط لأنه أقرب مكان إلى ماثيو، لكن مع أحداث الثورة المصرية ستكون هناك فرصة كبيرة لاستعادة أجواء الفنون والثقافة بحرية ومن دون القمع والمحرمات». «سفرلوغ» مؤلفة من جزءين، كلمة سفر بالعربية، و «ديالوغ» (أي حوار) بين اثنين مسافرين، وكل حركة وكل إيماءة لها دلالة، خلال رحلة السفر. يقول إسماعيل: «أنا وماثيو نملك الخبرات الفنية ذاتها، وعمر كل منا الفني قريب من عمر الآخر، ونختلف شكلاً وثقافة فيما تجمعنا حضارة المتوسط. والمقصود من العمل أن الاختلاف في الشكل لا يلغي تشابه الأفكار والهموم الإنسانية». واحدهما يتسع للآخر وفي العرض، يعبّر مسافران عن نقاط الالتقاء والاختلاف بينهما، ومشاكلهما، ومفاصل اتخاذ القرار بالسفر، إضافة إلى المشاعر المرتبطة بالسفر وتوجسات الرحلة. التقيا خلال الرحلة، فغيّر كل منهما طريقه، وحدث التعارف والتلاقي والحوار والتمازج واكتشاف الآخر، فمن كل تلك المنابع خرجت المادة الخام للحركة. يقول سبارما: «الشكل النهائي أتى نتيجة لتركيب كل هذه المشاعر وصوغها في حركات، ثم معالجتها وتعديلها وتجميعها وتركيبها لتخرج في شكلها النهائي». ويتابع أن «المشروع نقطة تلاقٍ بين شخصين، ولأن الثقافات والخلفيات مختلفة، يجب على كل منا أن يتّسع، إذا جاز التعبير، لاستيعاب الآخر. والعرض أخيراً مشروع يتطور، لم نبلغ نهايته بعد، ولا يزال قيد التطوير، والهدف هو التواصل». ويرمي المشروع إلى إعطاء الفنانين الأورومتوسطيين فرصة لقاء مهني، وبناء رقصة احترافية يتقاسمونها مع الجمهور. يُعرض «سفرلوغ» في القاهرة خلال الشهر الجاري، كما يشارك في مهرجان ليون (فرنسا) للرقص المعاصر في آذار (مارس) 2012.