إذا أخبرك أحد أن مشروع الربط الحديدي بين الشرق والغرب في السعودية سيكلف اكثر من ستة بلايين دولار، يجب ان تصدقه، لأن المشروع كبير وضخم وسيقطع طرقاً في الصحراء ويمر بقرى وهجر، وسوف يحصل اصحاب المنازل على تعويضات مجزية اذا وقعت منازلهم في طريق مشروع سكة الحديد، وسبب اقتناعك هو ان المشروع يستحق هذا المبلغ، والفائدة ستعم اكبر شريحة من الناس، وربما أسهمت بشكل كبير في حل ازمة النقل في البلاد، أما إذا أخبرك احد ان 16 مركزاً صحياً لامراض وجراحة القلب في السعودية تعالج فقط 400 مريض سنوياً، وتنفق الدولة عليها 30 بليون ريال في العام، فهل تصدق؟!... لا تستغرب فهذه المعلومات جاءت على لسان رئيس جمعية القلب السعودية الدكتور هاني نجم، وفي بيان رسمي بمناسبة يوم القلب العالمي لهذا العام، نشر في معظم الصحف المحلية وتناقلتها وكالات انباء، قبل اكثر من اسبوع. والخبر كاد يوقف قلبي لولا انني استعنت بالله، واستعذت من الشيطان الرجيم، وقرأت تصريح الدكتور هاني نجم اكثر من مرة ومن زوايا عدة، لعله يقنعني بأن المعلومات التي اوردها في التصريح غير صحيحة، الا انني اقتنعت بالفعل بكل كلمة قالها، وسبب اقتناعي ان وزارة الصحة لم ترد او تعقب او تكذب خبر رئيس جمعية القلب السعودية، ولم يصدر عنها اي تكذيب او تصحيح، فأصبحت مطمئناً. الآن تعالوا نتحدث عن تفاصيل تصريح رئيس جمعية القلب السعودية، اذا كان صحيحاً ان ينفق سنويا 30 بليون ريال على مراكز تُعد على اصابع اليد، ويتم علاج 400 شخص فقط.. أليس هذا المبلغ كبيراً جداً جداً جداً، ما هي معدات القلب الخطرة التي تزخر بها هذه المراكز، او الخبرات الطبية المتوافرة لدينا، ولمن تقدم هذه الخدمات؟ بحسب معلوماتي ان معظم مرضى القلب يقفون بمعاريضهم امام ابواب الوجهاء واهل الخير من اجل ان يحصلوا على موافقة للعلاج، يقول رئيس جمعية القلب السعودية، إن في الدول المتقدمة نجد ان لكل مليون شخص تُجرى لهم ألف عملية قلب، في حين ان السعودية تجري 400 عملية قلب فقط لكل مليون شخص، وهناك مرضى لا يصل لهم العلاج. ولاحظوا معي، على رغم المبلغ الباهظ والكبير الذي يُنفق على عدد قليل من مراكز جراحات القلب، فإن الخدمات المقدمة غير ناضجة، نظراً لأنها تعالج الحالات المتقدمة من امراض القلب من دون الاهتمام بالخدمات الاولية قبل تفاقم هذه الحالات، ولأننا بلد ترتفع فيه معدلات السمنة بين السيدات، والاسباب واضحة لا تحتاج الى تعليق، فهذا يعني ان 70 في المئة من نسائنا مهددات بأمراض خطرة، اضافة الى سرطان الثدي فإن مرض القلب سيكون في المستقبل واحداً من اهم الامراض التي ستنتشر بين السيدات ما لم نعالج المشكلة قبل تفاقمها، واذا ما اعتبرنا حالات المعيشة وارتفاع الاسعار والبطالة وعدم وجود إحصاء بعدد الفقراء، أسباباً رئيسة للإصابة بأمراض القلب، فأعتقد اننا نستطيع ان نحصي مرضى القلوب بسهولة. قادني الفضول اكثر خلف الرقم المعلن، فإذا افترضنا ان عدد السكان 25 مليون نسمة هم سكان السعودية، وهذه معلومات غير صحيحة إنما تقريباً، وجميعهم مصابون لا سمح الله بمرض القلب، لقلنا إن هذا المبلغ ضئيل جداً ولطالبنا الحكومة بأن ترفع من موازنتها تجاه مراكز جراحات وعلاج القلب، إذ ان نصيب الفرد من قيمة العلاج سيكون 1200 ريال فقط، ولكن مادامت هذه المراكز لا تعالج سوى 400 مريض فقط في العام، فهذا يعني انه يفترض ان يتم علاج 10 آلاف مريض قلب، باعتبار انه يتم علاج 400 شخص من كل مليون نسمة، وبعملية حسابية اخرى نكتشف انه لو تم تقسيم ال 30 بليون ريال على 10 آلاف مريض، فهذا يعني أن كلفة العلاج لكل مريض تقدر بنحو ثلاثة ملايين ريال، ومادام يتم فقط انفاق هذا المبلغ خلال العام، وعدد المرضى الذين يتم علاجهم لا يتجاوز سوى 400، فهل تصدقون ان كلفة مريض القلب لدينا تصل الى 300 مليون ريال. واذا اعتبرنا عكس هذا، فهل ينفق مبلغ كبير مثل هذا على 16 مركزاً فقط واطباء ومعدات، اعتقد لو ان مرضى القلب أُعطي لهم هذا المبلغ"كاش"لكانت قلوبهم ترفرف الآن بالفرحة والصحة، واذا سلمنا ان كل الارقام التي ذكرتها غير صحيحة وخاطئة، فأين الحقيقة، أليس من المفروض ان تخرج علينا وزارة الصحة وتصحح لنا هذه المعلومة، وستكون كارثة اذا كانت الارقام التي ذكرها رئيس جمعية القلب السعودية صحيحة، وقتها سنطالب وزارة المالية التي تراجع موازنات الجهات الحكومية للتأكد من الصفقات وتنفيذ المشاريع وقيمة المعدات الطبية، واجور الاطباء والخبرات الفنية العاملة، والقصور في تقديم الخدمات وعدم قدرتها على التوسع، يجب ان يطال التحقيق ادارة تنفيذ المشاريع في وزارة الصحة للتثبت من قيمة العقود وحقيقة الارقام، وكيف لا يتدخل مجلس الشورى في معرفة الارقام والمبالغ، نحن بالفعل نفرح من هذه الارقام إلا أننا نحزن لأننا لا نلمسها بالفعل. هذا الكلام يفتح الباب امام الارقام الكثيرة التي تعلن لتنفيذ المشاريع ولا نعرف حقيقتها، وشكراً للدكتور هاني نجم رئيس جمعية القلب الذي فتح أعيننا على هذه الارقام بعد أن أعمتها القلوب الميتة. * إعلامي وكاتب اقتصادي [email protected]