شكّل السلاح في عقود خلت خصوصية لأهالي منطقة الباحة، شأن معظم المجتمعات القبلية، إذ كان يمثّل جزءاً من شخصية وشرف حامله وأصالة ونبل سلالته الأسرية، ومكانتها الاجتماعية. "أم خمس، وأم زرفال، والمحدّش، والمرتين"أنواع من بنادق مخصصة للتفاخر والاعتداد بالذات في السفر والأسواق والمناسبات والأزمات، فيما يقتصر دور"المقمّع وأبو فتيل"على التثوير بالبارود في الرقصات الفلكلورية من دون أعيرة نارية. ومنذ عقد من الزمان شهدت المنطقة كوارث جنائية أدت إلى إتلاف أرواح بريئة وإزهاق أنفس بيضاء، قادها حظها العاثر إلى أبواب قصور الأفراح لتزف العرسان إلى بوابة الدنيا وتشاركهم فرحة العمر فزفها رصاص طائش من بوابة الموت إلى الآخرة، إذ لا تزال حادثة قتل شقيق إحدى العرائس لسيدة حامل برصاص رشاش أوتوماتيكي أراد أن يعبّر به عن فرحه تسكن ذاكرة القرويين في جبال السراة، وتثير الذعر من حضور الأسلحة في الأفراح، فيما يظل أحد شبان المنطقة يسير بعرجة واضحة في إحدى قدميه بعد أن اخترقت أعيرة نارية ساقه حال انتشائه بالعرضة في حفلة زفاف، وكانت أشهر الحوادث تلك التي وقعت في حفلة زفاف، حين ذهب أحد المتفرجين ضحية متابعة ساخنة بدم بارد. واستبدل بعض المواطنون في حفلات الزفاف بالأسلحة النارية عصياً مصنوعة من الخيزران كتلك التي يكثر استخدامها في الإمارات. وعزا الباحث الدكتور جمعان بن عبدالكريم حمل السلاح في حقب تاريخية مضت إلى ثقافة الخوف السائدة وحالات الذعر التي أفضت إلى حمل كثيرين للبنادق والخناجر والجنابي للحفاظ على كرامتهم وزرع هيبتهم وردع الظلم والجور عنهم. وأضاف ل"الحياة":"العرف القبلي شكّل الزي لكل منطقة وغدا السلاح أحد مكونات اللباس التقليدي"، مشيراً إلى أن وجود السلطة الحكومية، وتوافر الشرط والمحاكم، وانتشار الوعي أدت إلى انحسار استعمال الأسلحة إلا في حدود ضيقة ونادرة. وأكد أن إشهار السلاح في زمننا هذا لم يعد مزية لصاحبه، بل ربما تحول إلى سبة وتهمة لعدم الحاجة إليه باعتبار أن المجتمعات الواعية تفَضّل قوة المنطق على منطق قوة السلاح. من جهته، عاش المواطن عبدالرحمن الغامدي تجربة مأسوية، حين اقتنى بندقية بعشرة آلاف ريال، وكان يؤمل بأن يظهر بها في مناسبة زواج لإحدى قريباته ويشارك المحتفلين العرضة بسلاحه الثمين، إلا أنه حين أخرجها للتنظيف قبل يوم الزفاف انطلقت منها رصاصة كادت تؤدي بصغيرته نوف ذات الأربعة أعوام، وتملكته ووالدتها لحظتها حالتا وجوم وذعر دامتا لأكثر من ساعة، وتغشتهما نوبة عرق وبكاء هستيري، اندفعا معه للعتاب الساخن واحتضان البراءة، ليعيد الغامدي البندقية للبائع ويستعيض عنها بعصا إماراتية لم تعد تبرح كفه. من ناحيته، أوضح الناطق باسم شرطة منطقة الباحة الرائد سعد طراد أن التوجيهات الأمنية والتعليمات الصادرة عن وزارة الداخلية تحظر استعمال السلاح مطلقاً، نظراً لما يترتب على حمله من مفاسد متحققة أو متوقعة، لافتاً إلى أن وجود رجال الأمن في كل مربع وانتشار الدوريات الأمنية وأمن الطرق في كل المسارات يحقق الطمأنينة للمسافر والمقيم ويحد من جرائم السطو والاعتداء.