عندما شن الإعلام الغربي في أوائل الستينات حملة مناهضة على العالم العربي وإنسانه. تعالت الاعتراضات وعقدت كثير من الندوات، وقيل وقتها إن هذا مصدره حقد دفين ونظرة سلبية تعبر عن جهل بالتاريخ والمجتمع العربي. لقد تابعت القنوات الفضائية وما عرضته من مسلسلات خلال الشهر الكريم، قيل إنها تمثل الدراما السعودية، ولسنا هناك بصدد الحديث عن"درس الدراما السعودية"وكيف نقدت أو عرضت خلال الفترة الماضية، أو كما قال البعض كيف أعلنت عن إفلاسها من خلال ما طرحته، ولكننا بصدد تصوير هذه الدراما"للشخصية السعودية"وتضخيم سلبياتها وإنكارها تماماً لأدوارها الإيجابية في بعض الحلقات، ولنأخذ مثلاً مسلسل"كلنا عيال قريّة"، هذا المسلسل الذي عرض فيه عدد من الشخصيات السعودية الكسولة التي تعمل في بنك وتسهر طوال الليل وتحتفظ بمفتاح الخزانة معها، ومن ثم تتعرض لمحاولة سرقة البنك. وتظل هذه الشخصية عاطلة عن العمل معظم حلقات المسلسل. قد يقول قائل هذا هو واقع الشباب السعودي، فلماذا هذا الاعتراض؟ والإجابة: أن في ذلك ظلماً للأكثرية المحافظة الملتزمة. وموقف آخر يمثله مواطن سعودي من شمال المملكة، فهذا السعودي إذا أراد أن يتصل بآخر فإنه يتصل بابنه لكي يقوم بهذا الدور فهو لا يعرف الأرقام، ولا كيفية التعامل مع الجوال، ثم هذا البدوي أصيب بالدوار عندما فقد بعيره. إنني أتساءل: من المسؤول عن هذه الصورة السيئة للمواطن السعودي؟ وتتوالى المقاطع عن شخصية السعودي، فهو مزواج ومتطلع للنساء، تكررت مثل هذه المقاطع مرات ومرات، تصور الرجل السعودي محباً للزواج، عديم الاحترام والإحساس بهن. ولم يكتفِ المسلسل بهذا بل تعداه إلى التندر بالثوابت في المجتمع السعودي، فاتحاً الباب بعدم جدية العقوبات التي نصت عليها الشريعة، ووصل الحد إلى الاستهزاء بها، مثال ذلك عندما ذكره صاحبه بعدم السرقة، حتى لا تقطع يده، فابتدره قائلاً: إنه إذا تقرر قطع يده فسوف يشتكي إلى"حقوق الإنسان"؟ أمر آخر عندما طلبت منه زوجته أن يدعو الله أن يبارك في ماله، قال يمكنني أن أقرأ عليها القرآن، وأنه إذا كان جاداً في قراءته فستتحول إلى دولارات بدل الريالات... تصور معي مواطناً غير سعودي عندما يرى مثل هذا المقطع، ماذا يكون تصوره عن الإنسان السعودي؟ وعرض المسلسل البعض يتساءل كيف تحصل لعائلة كاملة أن تتناول الخمر على أنه عصير قام بصنعه أحد الأفراد في منزله وقدمه لهم بأنه اشتراه؟ قولوا لي بربكم، هل يوجد إنسان يشرب الخمر ولا يعرف رائحته ومدى تأثيره إلا بالصورة السيئة التي صور بها المسلسل المواطن السعودي، بل والشعب السعودي برمته الذي لا يعرف الفرق بين الخمر والعصير؟ بل يصل الحد بأنه يشرب الخمر في قارورته، الواحدة تلو الأخرى، فماذا يقول الناس عن السعوديين وعوائلهم وهم يترنحون من تأثير تناول الخمر الذي يحسبونه عصيراً، ورجل بدوي متخلف يتناول العصير بالقارورة فقط لأن طعمه طيب. صورة أخرى جعلت السعودي في الحضيض، هذا الحرص على المال والغباء في المحافظة عليه واستثماره، تجده يدفن ماله في الأرض كوسيلة لحفظه، ثم يأتي رجل ذو دهاء ويستولى على أموالهم بكل بساطة. بل يتعرض المسلسل للاستهانة بما تقوم به بعض المصالح الحكومية، ولعل من أهمها الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ يصورهم بأقبح صورة متنكراً لدورهم الإيجابي في المحافظة على المجتمع، مثال ذلك عندما تستروا على زميلهم بعد تناوله للمسكر، قالوا إن ذلك خوفاً عليه من رجال الهيئة، وحتى لا يُفصل من عمله وسجنه. ومن المؤكد أن الهيئة لا تمارس هذا الأسلوب إطلاقاً. إننا في عرضنا بعضاً من المقاطع من هذا المسلسل الذي شوه وجه السعودي لا ننكر أبداً إن السعودي لديه سلبيات مثل غيره من الناس، ولكن أن تضخم هذه السلبيات وتصبح أسلوباً للتندر والضحك فهذا أمر فيه نظر ومراجعة. إن أعظم برامج الدراما العالمية تصدر من أميركا، وإنك لا تجد أي دراما تستهزئ بالأميركي الأصل الأبيض، لكن تتندر على عدد من الشخصيات الأميركية المنحدرين، بل إن البطل في معظم المسلسلات الأميركية لا يموت، إنما ينتصر ومن ثم يرفع علم أميركا عالياً آخر المسلسل. إن هذا التشويه لشخصية السعودي تقوض تلك الجهود الجبارة التي تبذلها الدولة في تعزيز مكانة السعودي في المجتمعات الأخرى، خصوصاً العربية، التي تحاول جاهدة لتحسين صورة السعودي في تلك المجتمعات، أليس الأحرى بأصحاب الدراما أن يعملوا ولو القليل لمساندة تلك الجهود؟ سؤال يطرحه الواقع ويلزم الإجابة عنه لمن يشعر ويعيش المواطنة الحقة. لا أحد ينكر وجود سلبيات كثيرة لدى المواطن السعودي ولكن لا نريد أن تبرز هذه السلبيات لتطغى على الإيجابيات التي يتمتع بها الغالبية العظمى من أبناء السعودية. -