تقع الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة على الضفة الشرقية للخليج العربي، أو ما يُعرَف بساحل"فارس"، وتربطها بدول الخليج العربي علاقاتُ صِلَةٍ وتجاور تمتدّ بعُمق التاريخ المشترك بينها، ويعيش في هذا الساحل جاليةٌ من أُصولٍ عربيّة، وقد عادت الغالبيّة من هؤلاء العرب المُقيمين في إيران"فارس"سابقاً، إلى دول الخليج العربي في أوائل القرن الماضي، وأصبحوا يُعرفون باسم"الهولة"، وإلى جانب هؤلاء هاجر العديد من العجم، الذين استقرّوا في مختلف دول الخليج، وهم اليوم يتمتّعون كغيرهم من المواطنين بكامل حقوقهم الوطنيّة، أمّا ذوو الأصول العربيّة الذين بقَوا في البَرِّ الإيراني، فقد فقدوا صلتهم بالعرب والقليل منهم ينطق العربية، إذ ضُيِّقَ عليهم الخِناق في مُمارسة مذهبهم السني، كما كان عليه الأمر عندما تمّ تضييق الخناق على الشيعة العرب في بعض دول الساحل العربي خلال الثمانينات. وتمرّ العلاقات العربيّة - الإيرانيّة بحركات مدٍّ وجزْرٍ، تبعاً لظروف المنطقة، وذلك لأسباب عدّة، أهمّها احتلال الجزر الإماراتيّة في الخليج، والتدّخلات الإيرانية في شؤون دول الخليج، والعراق، ولبنان، بحجّة الصلات المذهبيّة... وكان هناك فرصةٌ ذهبيّةٌ، ظهرت بعد انتهاء الحرب الإيرانيّة - العراقية، وتولّي الرئيس الإيراني المُعتدِل محمّد خاتمي للحكم، إذ سعَى لتحسين العلاقات مع الدول العربيّة المجاورة، وتسابقت هذه الدول لفتح السفارات مع جارتها المسلمة الكبرى، وتمّ تبادل الزيارات الرسميّة والشعبيّة، وفتح صفحة جديدة،إلاّ أنّ انتخاب الرئيس المحافظ أحمَدي نجادي، والغزو الأميركي للعراق غيّرا المعادلة وقلَبا الموازين، فقد استغلَّ النظام الإيراني هذا الغزو، والجهل أو التخاذل الأميركي لبسط النفوذ الإيراني، فجعَل من العراق شبه مُستعمرة إيرانية، إذ تمّ تجنيس مئات الألوف من الإيرانيين، وسلحت الميليشيات المذهبية، بتخاذلِ وتعاون بعض العراقيين ممّن سَهُلَت عليهم خيانةُ وطنهم! وعزّز الإيرانيون وجودَهم العسكريّ في لبنان، وأصبح حليفُهم"حزب الله"القوّة المهيمنة في لبنان، إذ سعى هذا الأخير لفرض الأمر الواقع الجديد عبر غزوِه لقلب العاصمة اللبنانيّةبيروت، الأمر الذي كان السبب الرئيس لانطلاق مباحثات الدوحة... كما استطاعت إيران أيضاً، عزْلَ سورية، عاصمة الأمويّين وقلب العروبة النابض، عن محيطها العربي، عبر تحالفاتٍ فرضَتْها عواملَ عدّة أهمُّها، غزو أميركا وخشية سورية بأن تكون مدينة دمشق هي المحطّة المقبلة للغزو الأميركي، بعد مدينة بغداد، وقد نما هذا الشعور بالخشية والخوف، خصوصًا في الأيام التي تلَت غزو العراق، وإطلاق بعض المسؤولين الاميركيين لتصريحاتٍ عنتريّةٍ هنا وهناك، وأتت المحكمة الدُوليّة بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الرئيس رفيق الحريري - رحمه الله - ليجد النظام السوري نفسه في كرسي الاتهام بعمليّة الاغتيال، والتي يروج أنها تستهدف نظام الحكم فيه، ودأب النظام الإيراني، خلال السنوات الأخيرة، على تطوير قدرات الدولة الإيرانية التقنية والنوويّة، فاستطاعت بالمراوغة مع الغرب من كسْب الوقت، والتهرّب من الوعود التي قطعَتْها، وفرض الأمر الواقع، ولا يختلف المحلّلون العسكريون على أنّ الهدف الإيراني هو اقتناء السلاح النووي.وهناك اعتقاد خاطئ لدى بعض الليبراليين العرب بأن إيران هي أكثر ديموقراطية من دول الخليج، وهذا أمر عارٍ عن الصحّة، فالمحافظون في إيران هم الذين يقرّرون من يحقّ له الترشّح، ومن لا يحقّ له الترشّح للانتخابات، ولن يستطيع أيّ رئيس إيرانيّ حتى ولو انتُخبَ بنسبة 99.9 في المئة، كما يحصل في بعض الدول التقدميّة العربيّة، من أن يخرجَ من عباءة المرشد العام للثورة الإيرانية، ولا ننسى أن هناك تشدّدًا وتضييقًا على الشباب والإصلاحيين، وكل من هو معارض للمحافظين، بينما تجد في المقابل دول الخليج العربي، تنعم بطفرة اقتصاديّة، وحركة إصلاح ناشطة، وحريّة غير مسبوقة في دول المنطقة... وهناك اعتقاد خاطئ آخر، هو أنّ الشيعة من أبناء الخليج العربي، يدينون بالولاء لإيران، ويقفون ضدّ مصالح دولهم العربية وهذا الاعتقاد الخاطئ يستخدمه البعض للتشهير بمواطنة أبناء البلد المخلصين، والأخذ من حقوقهم، ومعمّمين بعض الاستثناءات على الغالبية المخلصة لدولها. والواقع أن إيران هي جارة كبرى مسلمة، يجمعنا بها التاريخ والجغرافية، وكلّي أمل أن تتّسم سياسة إيران بالواقعيّة، وتضع قضيّة الجزر أمام المحكمة الدولية، كما فعلت قطر والبحرين سابقاً، وطي هذا الملف إلى الأبد. [email protected]