قدر حارات مكية سعد أهلها بحسن الجوار، بعد أن سورت لسنوات مضت، معصم الحرم المكي، أن تختفي من الوجود. ذهبت ك"حارات"لها بيوتها وأزقتها وأهلها، وبقيت أسماؤها حاضرة في اللوحات الإرشادية المؤدية إلى الحرم وسجلات الفنادق. بدأ ذلك مع مطلع الثمانينات الميلادية، حين أصدرت الحكومة السعودية قراراً يقضي بنزع الملكيات في المنطقة المركزية حول الحرم. يهدف هذا القرار إلى توسعة الحرم وتوفير المساكن للحجاج وزوار بيت الله. وخلال ال 25 عاماً المنصرمة، تغيرت ملامح المكان كلياً في المنطقة المركزية. هجر أهالي المنطقة المركزية، حاراتهم القديمة، وتولت شركة مكة للإنشاء والتعمير، إعادة ترميم المكان لخدمة ضيوف الرحمن. أصبحت المنطقة، معلماً حضارياً بارزاً مع تطاول البنايات الفندقية وتنوع تصميماتها حول الحرم. تغير كل شيء وبقيت الأسماء فقط. إلى الشمال من الحرم المكي الشريف، كان أهل مكة يقصدون ذويهم في حارات"الشامية"و"طلعة الفلق"و"الغزة"و"النقا"و"ريع الرسام"، مروراً ب"شعب علي"و"شعب عامر"و"الراقوبة"و"جبل المدافع"، وكانت الأقدام تأخذهم باتجاه"حارة الباب"و"المدعى"و"سوق الليل"و"جبل هندي"و"الخريق"أو ما يسمى"خريق العشر". حارات تداعت ذكرياتها في أذهان المكاويين، وأصبحت مناطق للسكن والتسوق إلى جوار الحرم. ومن الشرق الحرم، طمست الحركة العمرانية، وظروف المنطقة المركزية، حارات"أجياد"و"أجياد السد"، و"جبل سبع البنات"و"شعب قريش"و"جبل أبي قبيس"، و"المصافي"، وحارة"بير بليلة". هذه الحارات دهمتها أعمال التطوير، غير أن بعضها ما زال يضج بالمساكن والسكان، في انتظار ما تؤول إليه ظروف المنطقة مستقبلا. غرب الحرم، كان المكاويون يتسامرون في حارات"جبل عمر"، و"جبل الشراشف"، و"دحلة الولايا"و"الدحلة الوسطى"و"دحلة بكر شرف". حارات سجلت اسمها في ذاكرة مكة، لكنها باتت تقاوم المد الهائل من التطوير العمراني المحتدم. الجنوب اختفى عن بكرة أبيه، ولم يبق منه غير حارات"الهجلة"و"المسيال"و"المنشية". حتى هذه الحارات، بدأت تتوارى عن الأنظار بعد أن فشلت هي الأخرى في أن تقاوم هذا الزحف العمراني الرهيب.