وجّه التشكيلي أحمد فلمبان عدداً من الاتهامات إلى منتسبي الحركة التشكيلية في المملكة، كاشفاً عن تفاصيل عدة تحفل بها كواليس هؤلاء الفنانين. ويرفض فلمبان إطلاق اسم"حركة"على ما يجري على الساحة التشكيلية، معتبراً أن كلمة"نشاط"هي الأدق في التعبير، ويرى أن ما يكتب من نقد تشكيلي، لا يعدو كونه تعريفاً بالسيرة الذاتية للفنانين، كما يشكك في جدية النقد الموجّه لأعمال بعض التشكيليات. استطاعت التجربة التشكيلية لفلمبان أن تؤسس منهجاً مختلفاً في الساحة الفنية السعودية، ويعد أحد أبرز الفنانين السعوديين، إذ نال عدداً من الجوائز المحلية والخارجية، كان آخرها وسام التقدير من الرئيس الإيطالي. حول آرائه الجريئة في تشكيليي وتشكيليات المملكة، وملفات أخرى ساخنة، حاورته"الحياة". هنا نص الحوار: كيف ترى واقع الحركة التشكيلية السعودية؟ - إن مفهوم"الحركة التشكيلية السعودية"أمر مثير للجدل، فكلمة"حركة"تعني حراكاً فنياً بني على فلسفة ومضامين فطرية واضحة، كما هي الحال في الحركات الفنية المعروفة في تاريخ الفن. أما ما يظهر في الساحة التشكيلية السعودية، فيعد بمثابة"نشاط"لا يمكن وصفه بالحركة، نظراً إلى الغموض في الطرح والأساليب، والجهل بالتقنيات، بل إن هذا النشاط غير ثابت، وملتبس في بعض الأحيان، للتباين الشديد في أعمال بعض فنانينا، التي لا تتصل بشيء من واقعنا، وتتخبط في حال من الفوضى مع مختلف التيارات الفنية الأجنبية. وأكثر الأعمال التي نراها عبارة عن نقل واقتباس عن الفنون الأخرى، أو تقليد من أعمال الآخرين والمستشرقين، أو استنساخ من الصور الفوتوغرافية، فالطابع مفقود والأصالة ممحوة، واللوحة عبارة عن تشويش وخلط ومحاكاة للمدارس الأوروبية، أو الهندية، أو الأفريقية، أو الفيليبينية، ناهيك عن الاستعانة بالأيادي الوافدة الماهرة. ألا توجد خصوصية فنية لفنانين في السعودية في رأيك؟ - إن معظم أعمال رسامينا - بخاصة الرسامات - تفتقر إلى الخصوصية والإبداع، وتدور في فلك التقليد الأعمى والخواء الفكري، لأن مواضيع"الصحراء، والبيوت القديمة، ومفردات الرواشين، والإبل، والدلة، والخيام، والنخل، والعُمّة، والغبانة، والسوبيا"، ليست تعريفاً لأي إنتاج فني سعودي، ووصفها بالحراك التشكيلي، حتى ولو وُظفت بشكل عشوائي وعبثي بحجة"التجريد"، للهروب من إشكالية ذوات الأرواح، تبقى عديمة الصلة بأي اتجاه فكري محدد، وفلسفة جلية، لأن كل هذه المواضيع والمفردات والأشكال ملك مشاع تجده في كثير من دول العالم، وخصوصاً القريبة منا، والأعمال التي تتطرق إلى البيئة السعودية وعاداتها الشعبية، إذا نُقلت بالأسلوب الواقعي أو التأثيري، وما إلى ذلك من الأساليب التي تتلمس فيها الوضوح والمطابقة، تعتبر أعمالاً تسجيلية للتوثيق والتعريف، ولا يمكن دخولها في المنافسات الدولية و"البيناليات"العالمية. ماذا عن التجارب ال"مفاهيمية"الجادة، ألا توجد؟ - كما ذكرت هناك اقتباس وتقليد، ناتج من خواء فكري وجهل ومكابرة، وفي الفترة الأخيرة بدأت الموازين والاتجاهات الفنية تأخذ مساراً عكسياً، وانقلبت جميع القوانين والشروط الفنية المعروفة، والقيم الجمالية، والمعاناة، والأحاسيس، والتعبير عن الذات والمجتمع ومشكلات الإنسانية في العمل الفني، وأصبح الفن غير ذلك تماماً، باتجاهه نحو"المفاهيمية"، ورفضه التكوين والتقنين واللون والكتلة والمنظور، وعدائه للمتاحف والمعارض، ودكاكين الفن، وخروجه على القيم الفنية والتقاليد والأخلاق، وأصبح ضد السياسة والمجتمع، ضد الذات، ضد كل شيء، وللأسف راقت لبعض فنانينا هذه"الموضة"، وأخذوا في احتضان هذه النظرية، لا لقناعة أو معرفة، ولكن حباً في الإثارة والدعاية والظهور والشهرة، خصوصاً أن هذا الأسلوب أصبح مطلوباً، وتركز عليه لجان التحكيم في"البيناليات"العالمية، وهذا الأمر خطر جداً، إذ إن الفنانين الذين بدأوا يتجهون إلى هذا المنحى، يوظفون كل إمكاناتهم، ويسخّرون طاقاتهم في سبيل الظهور بمظهر التطوير والتجديد، ومواكبة ركب الحضارة الغربية، التي لا يوائم بعضها تقاليدنا وعاداتنا وقناعاتنا، ساعين وراء ذلك إلى الخروج بنتيجة مطلقة، متطرفة في الأفكار والمضامين. وهل تعوّل على جمعية التشكيليين السعوديين التي أسست أخيراً؟ - فكرة إنشاء"جمعية للفنون التشكيلية"، من المقترحات التي طرحتها في مقالاتي قبل أكثر من ثلاثين عاماً، خصوصاً أن الفن التشكيلي في بلادنا يضم عدداً كبيراً من الفنانين على مختلف مجالاتهم وتخصصاتهم، ويتمتع بقاعدة عريضة من المهتمين والمتذوقين والمتلقين والمقتنين، ويحظى باهتمام كبير من المسؤولين والمؤسسات الحكومية، والقطاعات الخاصة والأهلية. لكن ليس ما يطلبه المرء بالتمني، ولا تملك الجمعية العصا السحرية، لتغير الوضع بين ليلة وضحاها. هل هناك نقاد جادون في الفن التشكيلي وكيف ترى ما قدموه؟ - للأسف يوجد عندنا فقط هواة"رص الكلمات"، و"التهريج والتخبيص"، باسم النقد الفني، وعندما تبحث عن النمط الذي يسيرون عليه، تقع في حيرة من هذا النهج الذي لا يمت بصلة للنقد الأكاديمي أو التعليمي، ولا إلى أسس النقد المعرفي والاجتماعي أو النفسي أو الجمالي. وما الطريقة التي ينتهجونها في نظرك؟ - في اعتقادي أنهم ينتهجون الطريقة التي تعتمد على سيرة حياة الفنان وشخصيته، بقصد تعريف المتلقي والجمهور بالفنان من خلال آراء ووجهات نظر شخصية، من دون التحليل العلمي والمنطقي لأعماله الفنية، ومحاولة الظهور على حساب الفنان، والانحياز الحاد إلى فئة معينة، خصوصاً الفنانات، و"فبركة"معارضهم وتلميعها، وفرض آرائهم ووجهات نظرهم، والدفاع عنهم بكل الطرق والوسائل، التي تصل أحياناً إلى تأليف الكتب والمطبوعات عن منجزاتهم التي لا تتعدى الواحد في الألف من عمرهم الزمني. ألا ترى بارقة أمل في ظهور نقاد جادين؟ - الأمل كبير في ظهور نقاد في مجال الفنون التشكيلية السعودية، يحددون بجلاء الخطوط والاتجاهات الفكرية الفلسفية، لوضع الأمور في نصابها، وتنظيف الساحة التشكيلية من المرتزقة وأدعياء الفن والمهرجين والمزيفين. هل هناك سلطة ذكورية تمارس ضد التشكيليات؟ - لا أعتقد، بل على العكس هناك سلطة نسوية على الرجال، فلهن أسلحة فتاكة لا يمكن مقاومتها، فبمجرد وجود"اسم الأنثى"تعمى الأبصار عن العمل الفني، للبحث في اسمها عن مكامن الغزل، وتبدأ رحلة الإطراء والإعجاب والتمجيد والتعظيم والتخليد، من دون الالتفات إلى القيمة الإبداعية. هل أثرت البيئة الايطالية في فنّك؟ - لم تؤثر البيئة الإيطالية في الفن الذي أتعاطاه، على رغم معايشتي وإقامتي شبه الدائمة فيها، فأنا أولاً وأخيراً ابن مكةالمكرمة، أغوص في هذا الكيان الكبير، ويظهر هذا جلياً من خلال الألوان، وحرارة المناخ، وحميمية السرد، وسكون المظاهر، وهمس البيئة"الحاروية"الفطرية التي ترعرعت فيها، وليس شرطاً أن تكون مفردات عالمي الفني مباشراً لما تراه العين، ولكن من خلال الإحساس والرموز التي تخلق نوعاً من الالتصاق ورومانسية الخطوط، ويظهر تأثري واضحاً بالمدارس الفنية والتقنية الإيطالية، بحكم دراستي في أكاديمية الفنون الجميلة، وتأثري بنهجها ومناهجها وتقاليدها وقواعدها، التي كانت أساساً قاعدة مهمة في حياتي الفنية، استطعت توظيفها مع ما في داخلي من حس وفلسفة في بلورة تلك التيارات بروافد أصيلة، للخروج بأسلوب فني يحمل طابع الهوية والقيم الجمالية المحلية بمفهومها الشامل. ماذا يعني لك وسام التقدير الذي نلته من رئيس إيطاليا أخيراً؟ - هو تعبير عن اهتمام الحكومة الإيطالية في بشخص رئيسها جورجو نابوليتانو بحضارة وثقافة هذا البلد، ووفاء واعتراف بقدرة وإبداعات الفنان السعودي ومدى تطوره ونهضته، وتقدير إيطالي دولي لنشاطي الفني في إيطاليا منذ عام 1968، من خلال المعارض الشخصية والجماعية والفعاليات الفنية، وحصولي على عدد من الجوائز المتقدمة في المسابقات الدولية، وهو يعني مسؤولية كبيرة لبذل المزيد من الجهد والعطاء.