لا تشعر منيفة حمد بالبرد، عند انسياب قطرات الماء على يديها، فعقلها وقلبها مشغولان بأطفالها في منزلها، ويزداد قلقها ومخاوفها كلما سمعت من المعلمات في المدرسة التي تعمل فيها، عن حوادث الوفيات نتيجة أجهزة التدفئة. منذ 17 عاماً، تعمل منيفة"مُستخدمة"فراشة في إحدى مدارس مدينة الدمام، براتب بالكاد يلامس ال1500 ريال، وتمضي في المدرسة نحو ثماني ساعات يومياً، على أمل أن تتمكن من جمع ما يكفي للإنفاق على أطفالها الأربعة، وفي سبيل ذلك، تمسح أرضيات المدرسة، وتصنع الشاي للمعلمات والإداريات، اللواتي يعاملنها ب"تقدير واحترام وإنسانية"، بحسب قولها، لكنها تستدرك"البرد لا يرحم". صباحاً، تجهز منيفة أولادها، وجميعهم ذكور، للذهاب إلى المدرسة، وتسبقهم هي في التوجه إلى المدرسة، وتقول:"لا أعلم عن أحوالهم عندما يعودون إلى المنزل، وأخشى عليهم من برودة الطقس، وهم ينتظرون قدومي، لأطهو لهم طعامهم، وأعد لهم المشروبات الساخنة". أما زميلتها في المهنة أم عبدالله، فلم تفكر ملياً بما ستعده لأبنائها بعد عودتها إلى المنزل، بيد أنها تقاسم منيفة المخاوف من مخاطر أجهزة التدفئة،"أخاف أن يموتوا من شدة البرد، لأنني ألزمتهم بعدم إشعال المدفأة، إلا بعد مجيء والدهم، الذي أضحى شغله الشاغل إشعال المدفأة للأطفال، والبقاء معهم، حتى وصولي إلى المنزل، فهو يعمل مندوب مبيعات، ويتمكن من مغادرة العمل في أي وقت". وتتحدث أم عبدالله عن طبيعة عملها التي تثقل كاهلها"أعمل مراسلة بين المكاتب، ما يعرضني لصفعات البرد القاسية، إضافة لبرودة الماء الذي بالكاد يخرج من الصنابير، لشدة برودته، خصوصاً في الساعات الأولى من الصباح". وهناك موظفات ربما يعتبرن أكثر حظاً من منيفة وأم عبدالله، فالماء الساخن متوافر، إلا أن طبيعة العمل يجمعهن في معاناة واحدة. فمهمة فوزية نديم صنع الشاي والقهوة. وتقول:"أتمكن من احتساء المشروبات الساخنة، ولكنني اضطر أحياناً إلى غسل الأرضيات وفناء القسم الذي أعمل فيه"، مضيفةً"أشعر أحياناً، أن يدي كقطع الخشب، عند الانتهاء من غسل الصحون". وقد تبدو حكاية عاملة النظافة الهندية"إلفي"مع العمل مختلفة عما سبق، شكلاً ومضموناً. وتقول:"أعمل ساعات طويلة في مجال النظافة وتلبية رغبات الموظفات، سواء في طباعة الأوراق، أو المراسلة، وعمل الشاي والقهوة، وتنظيف المكاتب، ودورات المياه، وعندما أقرر التوجه إلى المنزل بعد عناء يوم من العمل، أجد في الغرفة الصغيرة التي أسكن فيها سبعاً من زميلاتي اللواتي يعملن في الشركة ذاتها، والمكان لا تتوافر فيه الاشتراطات الصحية كافة، فضلاً عن الدفء"، مضيفةً"لا يقتصر الأمر علينا، فغالبية العاملات يعانين من الظروف الصعبة ذاتها، التي تزداد صعوبة في الشتاء". وتستشهد المديرة ب"زوجة حارس مدرستنا، الحامل التي تتولى شؤون النظافة في دورات المياه وغيرها من الأقسام، فعندما وقعت عيناي عليها، وهي منهمكة في عملها، والماء يصل إلى ساقيها، والهواء البارد يعبث بها، أدركت خطورة الأمر على جنينها، فطلبت من المعلمات كافة ضرورة مراعاة ظروف المستخدمات، بسبب طبيعة عملهن، وبخاصة خلال هذا البرد القارس".