يُقلب الشاعر زكي الصدير في ديوانه"جنيات شومان"عالم الجن، باحثاً عن الطريق الموصل إلى بنات ملوكهم، شارحاً شروط"القرب"إليهن، مبعداً المتطفلين ممن لا يملكون حرقة"الحب"ورغبة"الحرية"، ومشترطاً قليلاً من ال"بخور"لكي"تعطي النذور"، قبل أن يحدثنا"متكئاً عن بنات شومان". في الوهلة الأولى يقع القارئ في حيرة من أمره، متسائلاً عن"شومان"و"جنياته"اللواتي"ما حملن ولا دفعن ولا رضعن"، وكيف استطاع بناء عالم لا يدخله إلا"ساحر"أو"عارف بالدروب الموصلة إلى الجن وطرق الخروج منها". ثمة ما يخلق نمطاً آخر من الفهم ل"جنيات شومان"وما يحاول الصدير بلوغه مع قارئه"الخروج من عنق الزجاجة التي تخنقنا"، كما يقول، متخذاً من"أبو الجن"كما يلقب في الموروث الشعبي الأسطوري،"مساحة حرة للكتابة، وأفقاً رحباً في الاشتغال". جاء ديوان الصدير، الصادر عن"دار فراديس للطباعة والنشر في البحرين"ويقع في 130 صفحة من القطع الوسط،"ممسوساً"بعالم الجن، إذ لم يضع فيه القصائد متسلسلة بحسب مناسبة ما، أو مفضلاً قصائد على بعض، ما يجعلها في الصفحات الأولى، وإنما تعمد وضعها في أجزاء ثلاثة، يحكي"كل فصل أمراً مختلفاً، وإن كان مرتبطاً بما قبله". ويضيف الصدير أن"الديوان مجزأ بحسب المناخات التي تفرضها طقوس تحضير الجن، إن صح التعبير، ويبدأ الديوان بفصل جنية شومان، ثم كرسي الجنية، وأخيراً غواية الجنية"، مشيراً إلى أن"كل جزئية تحوي مجموعة من النصوص". كما أن"بعضها يتكئ على اللغة وأخرى على البيئة الفلسفية للدلالة، فيما غيرها مجرد زفرة من زفرات اليومي والعادي والروتيني البسيط الذي نغتسل منه كل يوم". استغرق العمل ثلاثة أعوام من"المحو قبل الإثبات"، معتقداً أن"مرحلة تحريك البيادق في رقعة الشطرنج أهم المراحل، وفيها تجد كائن الشعر داخلك قاسياً جداً، لا يرحم ولا يجامل، يثبت ما يثبت ويمحو ما يمحو، قتال نهائي على حياة الملك". كما أن"رصد الأسئلة وظيفة الشاعر الأولى، إضافة إلى البحث القلق والتتبع اليومي لما هو غير عادي أو غير مقروء". ويبرر اختياره"شومان"من أن"المتتبع للموروث اللغوي والديني يجد أحياناً ضالته من حيث هو يبحث عن ضالة غيره، هكذا أجدني مع"شومان"، وجدت فيه مساحة حرة للكتابة، وأفقاً رحباً في الاشتغال، و"شومان"هو أبوالجن في الموروث الأسطوري العربي"، ويأتي اختياره من دون غيره"أنه المركز الذي لا سقف فوقه من الممكن أن يعود أو يرجع إليه في سلسلة الارتباط الوجودي الأسطوري". مضيفاً أن"شومان هو متكأ الغواية التي نهرب من خلالها لنا، محاولة الخروج من عنق زجاجة الممنوع التي تخنقنا، فنبحث في اللغة عن انزياح من الممكن أن نمارسه من دون خشية جلاد اللغة أو الجسد". يعانق الصدير قلقاً منذ لحظات البدء في وضع اللمسات الأخيرة على ديوانه، وما زال القلق يلاحقه بعد أن طبع الديوان، وسيلاحقه حتى يرى رد فعل القارئ، ويوضح أن"قلقي في هذه التجربة كبير جداً، وبخاصة أن التقنية التي يتقوّم النص بها ليست ذات اشتغال واحد، فقد يبدأ النص بالنثر ليمر بالتفعيلة ثم العمودي والنبطي لينتهي بالنثر من جديد. وحاولت ألا أتقيد بقيود العمارة الهندسية في البناء، ما جعلني في حال ترقب لما قد يضيفه القارئ للنص، من دلالة جديدة أثناء فعلي التلقي أو الإصغاء، وكل ما أخشاه هو الارتباك الذي قد يصيب المتلقي لحظة التنقل بين الأجناس الكتابية في فضاء النص الواحد، فضلاً عن قلقي تجاه تجاور التقنيات في الاشتغال الواحد، لهذا أنتظر رد فعل القارئ النموذجي عليه".