زكي الصدير الشاعر السعودي الذي أصدر منذ أقل من عام مجموعته الشعرية الأولى "جنيات شومان" والذي قرأ الثلاثاء الماضي قصائده من هذا الديوان ومن ديوانه المخطوط الجديد "الحانة" كان متألقاً ليلة أمسيته التي نظمها الملتقى الثقافي الأهلي، فقرأ قصائد ذهب بنا خلالها بعيداً نحو الوطن، وأبعد نحو ذكريات تقبع فيه، وتتشكل من خلالها قصائد، تميزت بأنها استدعاءات من هذه الذاكرة الرطبة والغضة. تتميز نصوص الصدير التي ألقاها خلال الأمسية بكونها لا تقترح شكلها النهائي فهي تطرح اقتراحاتها الشكلية والمضمونية خلال القصيدة نفسها، ولذلك فهي أيضاً تتفاعل مع شعور ملقيها خلال الأمسية وليس العكس فقط، وهذه النقطة بالتحديد هي التي اتكأ عليها الصدير في إلقائه الذي جاء رقيقاً أحياناً حتى ليكاد يكون سحراً، وعنيفاً أحياناً حتى ليكاد يذهب بالمتلقي نحو الشوك، وفي إلقائه استطاع الصدير أن يقنعنا بقدرته على التماهي مع نصه، والتحول مع تحولاته بكل سهولة ويسر. الصدير ألقى عددا من النصوص التي تنوعت بين الأشكال الشعرية الثلاثة "العمودي - التفعيلة - النثر" ولكنه خلالها جميعاً أخذ بيدنا نحو عوالمه هو، وإن شاب القصائد بعض التشظي غير المبرر أحياناً فذلك لكونها تنتمي إلى حالة "غيبوبة" تامة مع ما ذكرناه من استدعاءات الذاكرة، أما خلال المقاطع التي يحضر خلالها الشاعر المنتبه والواعي تماماً لشعريته فقد تمكن الصدير أن يأخذنا حتى أبعد حالات المقدرة اللغوية لدى الشعراء المفوهين، وبهذا فإن الصدير خلال الأمسية كان شاعراً لا تستطيع الإمساك به، لأنه منفلت تماماً من التصنيف، فهو تارة يتغزّل بمحبوبته كشاعرٍ أموي منسيّ في طيات التاريخ والجغرافيا أيضاً وتارة ينهض من مظاهرة احتجاج رافعاً وطنه بين يديه، كمناضلٍ ستيني أكلت قلبه الثورات، وهو بين هذا وذاك شاعر معاصر يستطيع أن يطوّع اللغة في خلق شعري مبتكر وطريّ متخذاً من ثيماته ورموزه أسباباً للذهاب أبعد في حالة "الغياب" وحالة "الانفلات" التي تميزت بها قصيدته. قرأ الصدير في بداية الأمسية قصيدة من "جنيات شومان" هي "الموت المؤنث" يستعرض فيها ضياعاً حادّاً يلقى فيه الضمير نفسه، حتى ليكاد أن يستغرق فيه، هو في هذه القصيدة لا يرثي أحداً ولا يحاسب أحداً، إنما هو يستعرض فحسب هذه الحالة اللامنتهية من الضياع والخسارات الدائمة، من حدود الأفكار إلى حدود الأوطان إلى حدود الذوات: "وحده أنت ببابين على قارعة الفقر بسامرا تطيل العبث الملقى على أرصفة الروح ولا تبصر إلا وطناً يمم نحو القدر الأعمى بتابوت سليمان بن داوود" ومن نفس الديوان قرأ قصيدة "جنيات شومان" وقصيدة "الجو شمس" وقصيدة "سلال الشهيد" التي أهداها لصديقٍ له مات في السجن ومنها يقول: "أنا يدها أنا دمها ولا أسوارَ عالية تمانع طفلة في العيش إن شاءت على كتف من الذكرى فلا صغرى ولا كبرى أشمّ ترابها وطناً أمشّطها على مهلٍ وأقرأ سورة "الإنسان" أنا ابن الأرض وابن شقائق النعمان" أما من ديوانه الجديد الحانة فقد قرأ "مساؤكَ عشقٌ يا سكّر" وهي قصيدة عمودية يحاول فيها الصدير أن ينحو باتجاه الاشتغال الجديد على عمود الشعر، اشتغال قادر -قدر الإمكان- على الدخول في الصورة الجديدة عبر العمود، كما قرأ أيضاً قصيدة "نافلة" وقصيدة "وهم" وقصيدة "حانة" وقصيدة "ياصديق" التي أهداها للشاعر حسين الجفال ويقول فيها: "مازلت وحدك بالطريق! تتمرجح الرغبات في سكرٍ وتلقيك الندامة بالمضيق سنواتها مرت وقلبك مشرع للهتك من وعدٍ إلى وعدٍ ومن أنثى إلى أنثى ستغريك المسافة أن تظل هنا وترديك الطريق". ختاماً غنت المطربة إلهام أبو السعود من ألحان المسرحي والموسيقي السعودي محمد الحلال أغنية "غريبان" للشاعر الصدير، وهي من قصائد ديوانه الأول "جنيات شومان".