في خضم الحياة، مهما اختلفت الأشكال والأعراف والألوان واللغات، ومهما تباعدت الأصقاع، ففي النهاية نحن بشر، لنا أهميتنا ولنا الصفات ذاتها، متشاركون بشكل ما في المتاعب والآهات والأفراح نفسها... يسعدنا الفوز وتركننا الخسارة، يضجنا الانتصار ويهللنا الترحاب، يهمدنا ويؤلمنا الرحيل والوداع، هذا هو الإنسان أينما كان وكيفما كان، مظهر رائع ومذهل لعبقرية الحياة، خصه الله سبحانه وتعالى بميزة الكلام، وخاصية العاطفة والموهبة، فالإنسان أكثر الكائنات الحية إقبالاً على الحياة الاجتماعية وتمسكاً بها، وأكثرها اعتماداً على بعضها البعض، كما انه يتمتع بخيال واسع بديع في تنظيم الحياة الاجتماعية! يتمكن بعض الرجال والنساء في الاستمرار في اكتشاف حيوية وإبداع جديدين في أنفسهم حتى نهاية حياتهم، بينما يتقوقع آخرون قبل نهاية المدة، حتى أن هناك أناساً فقدوا نشاطهم بسبب ظروف أو أوقات صعبة مروا بها قبل بلوغ منتصف العمر واختاروا الجمود في الحياة، فنسوا الفرح ونساهم الأمل، لاموا بتصرفهم الأناني هذا"الظروف"، أسهل الأمور على الإنسان هو أن يصبح ماهراً بالتهرب من الذات، والكذب على النفس وإلقاء اللوم على الآخرين وعلى الظروف. ناهد شابة في ال 27 من العمر، هي الآن حبيسة غرفة بسيطة وأنيقة في مشفى خاص في بلد بعيد، لمعالجة الحالات النفسية، مهملة وراءها طفلين برعاية خادمة في بيت أهلها، من زيجتين فاشلتين، تلقي اللوم كله، في فشلها في الدراسة وحياتها الزوجية، على تربية والديها وإهمالهما لتوجيهها وتعليمها كيفية تحمل المسؤولية في الحياة! خالد شاب متعلم، موظف في شركة خاصة، يشغل منصباً محترماً، خسره أخيراً كما خسر وظيفته السابقة، لم يوفق في اختيار أصدقائه والاحتفاظ بصداقتهم، حتى أنه لم يوفق في اختيار شريكة حياته، والسبب حبه لذاته وأنانيته، وسرعة فقدانه لأعصابه وتوتره، فخسر حماسته، ولم يعد يرى أهمية وجود معنى لحياته، والحق أنه تعلم وتعرف على معظم الأمور في الحياة إلا معرفة الذات، لم يعرفها وهي رأس الحكمة. إن أهم ما يتعلمه الإنسان في حياته أنه في النهاية مسؤول عن نفسه فلا تلم الآخرين ولا تلم الظروف، تولى أمورك بنفسك وتعلم من خسارتك وكبواتك والظروف الصعبة التي مرت بك، إنها فرص لا يهملها من يحسن التعلم، ولا يمكن للإنسان أن يكتسب معنى لحياته، إلا إذا التزم بأمر أوسع من ذاته الصغيرة، كأحبائه وإخوانه في الإنسانية. إن الأعمال التي تنطوي على خدمات للغير تمنح الشخص نبلاً عظيماً، وتمنحه أثمن درس في الحياة وهو الحماسة والأمل، يقول برناردشو الكاتب البريطاني الساخر هذا هو الفرح الحقيقي في الحياة أن تخدم هدفاً تعلم علم اليقين أنه هدف عظيم، بدلاً من أن تكون أحمق أنانياً صغيراً يشكو من أن العالم لا يكرس نفسه لإسعاده. شهر زاد عبدالله - جدة