إن الحديث عن الوطن لا ينتهي مادامت هناك أرواح تنبض بحبه والتفاني في خدمته، وطني المملكة العربية السعودية، بلد التوحيد ومهبط الوحي، وفيها بزغ نور الإسلام، أتحدث عن وطن ونماء حيث يشاء لا حيث يشاءون، وطني سيرة عطرة من الكفاح منذ التأسيس، وطني قصة حب لا تنتهي بل تتجدد من عهد إلى عهد ومن جيل إلى جيل. وطني أولاً: كلمات نابعة من صدق الولاء وعميق الانتماء لإخواني أبناء هذا الشعب الأبي الذين سطر لهم التاريخ مجد هذه البلاد، لأنهم أدركوا أن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وان أمنه واستقراره هو مؤشر الرضا والسعادة، ووطني أولاً هو مشروع استنهاض النفوس وتحريك مكامن القوة والغيرة عند أفراد الشعب، هو نداء لكل غيور من أبناء الوطن لإكمال مسيرة بناء وطن ينعم بالخير والأمن معتزاً بشعبه، فخوراً بقيادته مزهواً بمشاركته وفعاليته. ولن يتحقق هذا المفهوم"وطني أولاً"إلا بالمشاركة الفعلية من شبان وشابات الوطن، مشاركة تترجم إلى واقع ملموس حتى نجني خيره للحاضر والمستقبل وتتكاتف الأيدي وتتفاعل الضمائر ونسمو على الصغائر بيننا لنقف في صف واحد متسلحين بسلاح الإيمان والعلم والإرادة الصادقة لحفظ وطننا وبناء مستقبلنا، فصلاح الوطن يكون بصلاح أهله، وأهله هم الذين يعيشون فوق ترابه وينتسبون إليه تحت قيادة وطاعة ومحبة ولى أمره، فالمواطن هو الحلقة التي لا يختلف اثنان في أن المسؤولية تقع عليه أكثر من غيره في تطبيق مفهوم"وطني أولاً"لأنه يؤدي دوراً مهماً في التصدي لأي جريمة تستهدف أمنه وسلامة مجتمعه، فالخدمة التي يؤديها لنفسه وأقرانه تعجز عن أدائها كل المؤسسات لأنه رجل الأمن الأول وهدف التمنية الأول، فهو المعني والمقصود بكل خير، وله تُبذل كل الجهود من أجل رقيه ورفاهيته، فإذا قصر المواطن في أداء دوره نحو أمن وطنه ونمائه وعدم التعاون مع قطاعات الدولة ارتد ذلك على أمنه وسلامه شراً وخذلاناً، ومن نافلة القول أن المواطن الذي يستشعر مسؤولياته لخدمة وطنه، سيتعين عليه أن يحرص على: 1- عدم اتكاله على سلطات الدولة اتكالاً كلياً، ويقصر في أداء دوره لدعم جهود السلطة المعنية بهذه الخدمة الوطنية. 2- عدم إغراق المواطن نفسه في هموم حياته ومشاغله من اجل لقمة عيشه إلى الحد الذي ينسيه واجباته الوطنية. 3- الحرص على التوجيه التربوي والاجتماعي لقيامه بمهامه الوطنية. 4- ألا يغلب عليه خوفه من الوقوع في الخطأ أحيانا، لأن من لا يخطئ لا يعمل، وكل هذه العوامل قد تغيب دور المواطن أو تحد من مساهمته في تفعيل دوره الرئيس حتى يتحقق مفهوم"وطني أولاً"الذي نريده، ليكون ذلك شعوراً وطنياً متوقداً للمشاركة في بناء وطن حر في مختلف المجالات، وإكمال مسيرة ما بدأه الأولون من أسلافنا ويواصله قادتنا الذين يقودون ملحمة التنمية والتطور، معتزاً بوطنه فخوراً بقيادته، يغلب مصلحة وطنه على كل اعتبار، ويجمع الكل ليكونوا وحدة، مصدر قوة لوطن متماسك ومتطور. الوطن ليس مجرد مصطلح سياسي مجرد، ولا مجرد كلمة يمكن تغييرها أو تبديلها متى شاءت أهواء أصحاب المصالح الضيقة، بل هو مفهوم وجود حي يتشكل به وجدان ومشاعر وأحاسيس أهله، وتتوحد من أجله إرادتهم لتحمي وتصون وحدة الأرض والإنسان، ليظل الوطن قوياً متماسكاً وعزيزاً يعمل كل أبنائه من أجل حمايته وتقدمه ورقيه مهما اختلفت وتباينت رؤاهم وتصوراتهم التي في النهاية ينبغي أن تصب في مبدأ التزام الولاء الوطني باعتباره محور المسؤولية التي تعبر عن نبل وسمو مفهوم وطني أولاً بين أبنائه. ولترسيخ هذا المفهوم كان لا بد من ثوابت وطنية تحميه من ذوي النفوس الضعيفة فتكون الحصن الذي يحمي كيانه، وصمام الأمان الذي يحفظه والسقف الذي نستظل به، ولا يحق لأي كان تجاوزه ليبقى المفهوم بمعانيه ودلالاته ومضامينه ثابتاً راسخاً، حبه يملك العقول والقلوب والأفئدة. وحتى لا يتأثر باستهداف أولئك الذين اختلطت عليهم الرؤى بفعل المتغيرات التي حدثت نتيجة مؤثرات خارجية قد تمس مفهومنا"الوطن أولاً"من وعيهم ويتحول هذا المفهوم إلى مجر"وجهة نظر"قابلة للأخذ والرد، وكذلك الثوابت التي صيغ على أساسها هذا المفهوم، والتي من اجله قدم أجدادنا وآباؤنا أغلى التضحيات، لينعم جيلنا والأجيال من بعدنا بالأمن والسلام والرفاهية في ظل التمسك الإيماني بمصدري تلك الثوابت وهما الكتاب الكريم والسنة المطهرة، ولهذا بات من الضروري أن يصطف الجميع في الوطن في جبهة واحدة عنوانها"وطني أولاً"متجاوزين كل التباينات في الرؤى السياسية والفكرية إلى ما يحقق الوحدة الفكرية التي تحمي المصالح العليا للوطن وتضعها فوق كل اعتبار أو مصلحة ذاتية. وبالتوافق الاجتماعي ونمو الوطن يتم تغليب مصلحة الوطن وأمنه على غيرهما في حسابات المصالح العامة والخاصة، وبالتوافق تنصهر كل الثقافات والاتجاهات وتندمج لتتفاعل يكون تفاعلها مصدر قوة لوحدة للوطن أرضاً وشعباً، ما يشكل دعامة صلبة في وجه أي عدوان يحاول اختراق صفها وتماسكها، فتحت مظلة الوطن وأمنه وحفظ مقدراته تذوب كل الأعراف القبلية أو العصبيات المذهبية، تلغى كل التصنيفات الطبقية لأنها مصادر شر خطر إذا شاعت بين أبناء الوطن. * كاتب سعودي [email protected]