تعتبر القرارات الإدارية من أهم الوسائل التي تمكّن السلطة الإدارية من القيام بمهامها الموكولة إليها لما تحققه من سرعة وفعالية للعمل الإداري، وهي من أخطر مظاهر السلطات التي تتمتع بها الجهات الإدارية، لذا كان لا بد من خضوع مشروعية القرارات الإدارية لرقابة قضائية. ومن هنا تأتي أهمية التمييز بين القرارات الإدارية، والأحكام القضائية، وتتضح هذه الأهمية في أن القرارات الإدارية يجوز بصفة عامة إلغاؤها من القضاء إذا شابها عيب من العيوب التي تبرر إلغاءها، وكذلك يجوز تعديلها، وسحبها من الجهة الإدارية مصدرة القرار. أما الأحكام القضائية فإنه لا سبيل إلى الطعن فيها إلا بالطرق المقررة نظاماً، كما أن مواعيد الطعن فيها تكون عادة مقيدة بوقت قصير، وأيضاً فإن القاعدة العامة هي أن السلطة الإدارية تكون مسؤولة عن القرارات غير المشروعة، وبالتالي فإنه يجوز للأشخاص الذين صدر في حقهم قرار غير مشروع طلب التعويض عن الأضرار التي أصابتهم من جراء ذلك، وأما الأحكام القضائية فإنه لا مسؤولية عنها. ولأجل هذه الأهمية فإننا سنتطرق في هذا المقال إلى أهم المعايير التي يمكن من خلالها التمييز بين الأحكام القضائية والقرارات الإدارية. يتردد الفقه في التمييز بين الأحكام القضائية والقرارات الإدارية بين أحد معيارين، هما المعيار الشكلي، والمعيار الموضوعي. المعيار الشكلي: مقتضى هذا المعيار أنه يرجع في تحديد ماهية العمل إلى الجهة مصدرة القرار، فإذا صدر من جهة تابعة للسلطة الإدارية فهو عمل إداري، وإذا صدر من جهة تابعة للسلطة القضائية فهو عمل قضائي... وهذا المعيار قد وُجّه إليه النقد من ناحيتين: الأولى أنه كثير ما تصدر السلطة القضائية أعمالاً تعتبر بطبيعتها أعمالاً إدارية كالأعمال الداخلة في وظيفة القاضي الولائية، ومن ناحية أخرى فإن هناك من السلطات واللجان الإدارية ما خولها النظام إصدار أحكام قضائية. المعايير الموضوعية: وتحاول هذه المعايير تحديد صفة العمل وفقاً لسلطات من قام به ولطبيعته الذاتية وقد تمثلت هذه المعايير في أربع نظريات: 1- نظرية السلطة التقديرية، ومضمونها أن القرارات الإدارية تصدر من سلطة تتمتع باختصاص تقديري، بينما الأحكام القضائية تصدر من سلطة ذات اختصاص مقيد، ووَجْه انتقاد هذه النظرية أننا نرى أن السلطة الإدارية كثيراً ما تصدر قرارات إدارية، بينما يكون اختصاصها مقيداً، وعلى العكس من ذلك فإن النظام قد يعطي الجهة القضائية سلطة واسعة في إصدار بعض الأحكام ويتجلى ذلك في بعض الأحكام الجنائية. 2- نظرية التصرف التلقائي، ومعنى ذلك أن القرارات الإدارية تصدر بتصرف تلقائي من الجهة الإدارية، وأما الأحكام القضائية فإنها لا تصدر إلا بناءً على طلب من الأفراد، وهذا الرأي منتقد، لأن كثيراً من القرارات الإدارية تصدر بناءً على طلب من الأفراد. 3- نظرية موضوع العمل، أي أن العمل يعتبر قضائياً إذا كانت السلطة القضائية تفصل بمقتضاه في حق شخصي كان موضع منازعة أمامها، وانتقد هذا المعيار بأن النزاع قد يطرح على بعض السلطات الإدارية وتفصل فيه بموجب قرارات إدارية، وأيضاً هناك من الأحكام القضائية ما لا يكون متعلقاً بحق شخصي. 4- نظرية تحدي العمل بناءً على الغرض منه، فإذا كان الهدف من العمل هو إشباع الحاجات العامة، كالصحة والتعليم والدفاع، فإنه عمل إداري وإذا كان الهدف منه هو حماية النظام القانوني للدولة فهو عمل قضائي. وأما عن موقف القضاء الحديث من هذه المعايير فإننا نجد أنه قد تردد بين الأخذ بالمعيار الشكلي، تارة وبالمعيار الموضوعي تارة، كما نجد أنه قد جمع بين المعيارين تارة أخرى... ومن خلال مراجعة الأحكام الصادرة عن ديوان المظالم في المملكة العربية السعودية نرى أنه قد جمع بين المعيارين الشكلي، والموضوعي معاً، فقد عرف ديوان المظالم القرار الإداري بأنه"إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى الأنظمة واللوائح بقصد إحداث أثر نظامي معين جائز وممكن نظاماً وكان الباعث عليه هو تحقيق المصلحة العامة". وعرّف ديوان المظالم الحكم القضائي بأنه هو"القرار الذي تصدره هيئة خولها النظام سلطة القضاء، وتباشر وظيفتها القضائية، ويحسم على أساس قاعدة نظامية خصومة قائمة بين طرفين". وبذلك يكون القضاء الإداري في المملكة العربية السعودية قد أخذ بأحدث المعايير التي توصل إليها القضاء للتمييز بين الأحكام القضائية والقرارات الإدارية. هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. المستشار القانوني محمد بن عبدالله العتيبي