إن رقابة ديوان المظالم في المملكة العربية السعودية على القرارات الإدارية، رقابة أصلية مستمدة من أصل نشأة قضاء المظالم في الإسلام، فقد جلس الخلفاء والولاة لقضاء المظالم امتداداً لقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في انتصافه من نفسه ومن ولاته لكل مظلوم ورد كل حكم يخالف ما قضى الله به ورسوله.وجاء نظام ديوان المظالم لعام 1402ه، وحددت المادة الثامنة منه اختصاصات الديوان بالفصل في جميع المنازعات الإدارية التي تكون جهة الإدارة طرفاًَ فيها، سواء كان سبب المنازعة قراراً إدارياً أم عقداً أم واقعة مادية، ولا يجد من هذا الشمول في أحكام النظام إلا ما ورد في المادة التاسعة منه من أنه لا يجوز لديوان المظالم النظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة أو النظر في الاعتراضات المقدمة من الأفراد على ما تصدره المحاكم أو الهيئات القضائية من أحكام أو قرارات داخلة في ولايتها، وتتمثل الرقابة القضائية لديوان المظالم على أعمال الإدارة في الدعاوى الإدارية في نوعين من الرقابة: الرقابة الموضوعية التي تتصل بموضوع المنازعة، وتتمثل في قضاء الإلغاء وقضاء التعويض، والرقابة الشخصية التي تنصب على موظفي الجهاز الإداري، وتتمثل في قضاء التأديب. دعوى الإلغاء: إن قضاء الإلقاء هو قضاء موضوعي يوجه إلى ذات القرار الإداري فيبحث في مشروعيته من عدمها والحكم بإلغائه أو إبطاله في حال مخالفته للنظام. فينصب قضاء الإلغاء على رقابة أعمال الإدارة من حيث مدى مشروعية القرارات الإدارية الصادرة عنها. فينحصر حق رافع دعوى الإلغاء بطلب إلغاء قرار إداري الفردي أو التنظيمي مشوب بعيب من عيوب عدم المشروعية، وذلك وفقاً لنص المادة 8 البند أ/ب من نظام ديوان المظالم لعام 1402ه، إذ ذكرت أن أوجه الإلغاء هي عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة النظم واللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة. إن دعوى الإلغاء هي من دعوى القضاء الموضوعية، لأنها تحمي المراكز النظامية العامة من خلال التصدي للقرارات المخالفة للمشروعية الإدارية، ولذلك فهي لا تمثل خصومة تتعلق بحقوق شخصية ولا تثير منازعة بين خصمين، أحدهما دائن والآخر مدين، وإنما تخاصم القرار الإداري غير المشروع بقصد رده إلى حكم النظام الصحيح وفقاً لمبدأ المشروعية، سواء تعلقت المخالفة بالشكل أو الموضوع. فدعوى الإلغاء هي دعوة قضائية ترفع من ذوي الشأن من الأفراد أو الموظفين إلى القضاء الإداري طالباً إلغاء أو إبطال أو إعدام قرار إداري صدر مخالفاً لأحكام النظام. لذا تتميز دعوى الإلغاء بالخصائص الآتية: 1- دعوى موضوعية: اعتماداً على طبيعة الموقف النظامي الذي تقوم عليه أي مخاصمة القرار الإداري المطعون فيه لعدم مشروعيته، بهدف المحافظة على المشروعية، ويدافع رافعها عن النظام، وبذلك تتميز عن الدعاوى التي تقوم على حق شخصي ترمي إلى حمايته من الاعتداء عليه، ويدافع رافعها عن حق شخصي كما هي الحال في دعوى القضاء الكامل دعوى التعويض، وهكذا تختلف دعوى الإلغاء عن دعوى التعويض أركاناً وموضوعاً. 2- دعوى النظام العام: إن إلغاء القرار الإداري يمكن أن يولد حقوق الرافع الدعوى. بل إنه يرفع دعواه بقصد تحقيق المصلحة العامة والمحافظة على مبدأ المشروعية، لذا لا يجوز للأفراد التنازل عنها. إن دعوى الإلغاء بطبيعتها هي الدفاع عن المشروعية والمصلحة العامة، فهي ليست نزاعاً بين أطراف متساوية، فالخصومة بين طرفين غير متكافئين بالمعنى المعروف في الدعاوى الأخرى بقدر ما هو اختصام للقرار المطعون به نفسه. 3- انها دعوة مشروعية: إذ ينصب قضاء الإلغاء على رقابة مدى مشروعية القرارات الإدارية الصادرة عن الإدارة، وان حق القضاء الإداري إلغاء القرارات الإدارية المخالفة للمشروعية. ويقصد بالمشروعية بمعناها الواسع، أن يسود المجتمع الإنساني العدل والأمن، وفق سنن أو قواعد ينزل الناس عند حكمها وهي سيادة حكم النظام، بمعنى أن تتوافق التصرفات التي تصدر عن سلطات الدولة ومواطنيها مع قواعد النظام النافذ، ويقصد بالنظام كل أنواع القواعد النظامية النافذة في الدولة. والمشروعية مشتقة بهذا المعنى من الشرع بصيغة المعقولية، وتفيد محاولة موافقة الشرع. 4- حجية حكم دعوى الإلغاء: إن الحكم الصادر بالإلغاء للقرار الإداري يجوز على حجية في مواجهة الكافة، ويترتب على إلغاء القرار الإداري محل الطعن إزالة آثاره بالنسبة للجميع، ويمكن لكل من له مصلحة أن يتمسك به حتى لو لم يكن من أطراف النزاع وذلك بخلاف دعوة التعويض، اذ تقتصر حجية الحكم الصادر فيها على أطراف النزاع أي أن حجيتها تكون نسبية لا تتجاوز أطراف النزاع. القاعدة العامة والاستثناء: تتمتع القرارات الإدارية بقرينة السلامة حتى يثبت العكس، لذا فان مجرد رفع دعوى يطلب إلغاء قرار إداري معين بحجة عدم مشروعيته لا يمكن أن ينال ذلك القرار المطعون فيه، وعلى هذا الأساس تملك الإدارة على رغم رفع دعوى الإلغاء، تنفيذ القرار المطعون فيه، وان القائمة من هذه هي عدم السماح بشل وعرقلة نشاط الإدارة تحت مبرر قيام منازعة قضائية، فقد أكدت منظمة الدول على مبدأ عدم وجود اثر لرفع الدعوى على وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه وهذا ما نص عليه المنظم الفرنسي في أنظمة مجلس الدولة ونظام إصلاح القضاء الإداري. وكذلك نصت عليه المادة 49 من نظام مجلس الدولة المصري رقم 47 لسنة 1972. كما نصت عليه المادة 7 من قواعد المرافعات أمام ديوان المظالم لإقرار مجلس الوزراء رقم 190 وتاريخ 16/11/1409ه. ولكن ذات الأنظمة أوردت استثناء على هذا الأصل، يحق بموجبه لصاحب دعوى الإلغاء أن يطلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه بصفة موقتة لحين الفصل في دعوى الإلغاء، وهذا ما أكدته المادة 48 من نظام مجلس الدولة الفرنسي والتي تركت تقدير وقف تنفيذ القرار الإداري لتقدير القضاء، وقد استقر القضاء الإداري الفرنسي على تجديد شروط قبول دعوى وقف تنفيذ القرار الإداري بما يأتي: 1- وجود أسباب جدية يستند إليها طلب وقف التنفيذ. 2- أن يكون من شأن التنفيذ الفوري للقرار المطعون فيه أن يسبب ضرراً جسيماً لا يمكن إصلاحه. وكذلك نصت المادة 49 من نظام مجلس الدولة المصري على انه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه إذا طلب ذلك في صحيفة دعوة الإلغاء ورأت المحكمة ان نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها. وكذلك لفتت المادة 20 من نظام محكمة العدل العليا الأردنية رقم 12 لسنة 1992، وفي النظام السعودي فقد نصت المادة رقم 7 من قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم على انه يجوز للدائرة أن تأمر بوقف تنفيذ القرار أو أن تأمر بإجراء تحفظي أو وقتي عند الاقتضاء في خلال 24 ساعة من تقدم الطلب العاجل أو إحالته إليها إذا قدرت وذلك حتى تفصل في أصل الدعوى". وبناء على ما تقدم واستناداً إلى نصوص الأنظمة وما استقر عليه القضاء الإداري يمكن أن تحدد شروط وقف تنفيذ القرار الإداري المطعون به في دعوى الإلغاء بما يأتي: 1- استناد طلب وقف التنفيذ على أسباب جدية: يقصد بالأسباب الجدية تلك التي من شأنها أن تولد من أول فحص روح الشك لدى القاضي، خوفاً من وجود عيب جسيم الحق بالقرار الإداري، بحيث يحتمل أن المدعي سيكسب الدعوى، ونقاط اشتراط وجود أسباب جدية هو ضمان عدم عرقلة نشاط الإدارة من دون مبرر معقول. 2- أن يترتب على تنفيذ القرار الإداري نتائج يتعذر تداركها أو إصلاحها: ويقصد بذلك أن يكون الضرر الناشئ عن تنفيذ القرار المطعون فيه على مساحة معينة أي حصول ضرر لا يمكن إصلاحه أو ضياع نهائي لحقوق المدعي، وذلك يخضع بطبيعة الحال لتقدير القاضي. ويلاحظ أن مجلس الدولة الفرنسي منع وقف القرارات الادارية السلبية إلا في حالة ما إذا كان إلغاء هذا القرار يؤدي إلى تعديل في مركز نظامي أو واقعي عما كان عليه من قبل القرار. + آثار الحكم بوقف التنفيذ أن الحكم الصادر في وقف التنفيذ هو حكم بمعنى الحكم القضائي بكل مقوماته، إلا انه حكم موقت ولا يؤثر في أصل الحق، ويتوقف مصير هذا الحكم على الحكم في طلب الإلغاء الأصلي، وان وقف التنفيذ يجمد الحالة بما هي عليه وقت صدوره، إلى أن صدور الحكم النهائي في أصل طلب دعوى الإلغاء، وهذا ما نصت عليه المادة رقم 7 من قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم وأكدته أحكام القضاء الإداري. نخلص من ذلك أن رفع الدعوى على القرار المطعون فيه لا يؤثر في تنفيذ القرار الإداري موضوع الدعوى، لما يتمنع به القرار الإداري من قرينة السلامة حتى يثبت العكس، لذا فان مجرد رفع دعوى بطلب إلغاء القرار الإداري بحجة عدم مشروعيته لا يمكن أن ينال من نفاذ ذلك القرار، إلا إذا طلب وقف تنفيذه وتوفر الشروط المطلوبة لوقف التنفيذ وتحت قناعة القاضي. ولكن إذا صدر حكم المحكمة بإلغاء القرار سيكون بأثر رجعي من تاريخ إنشائه كأن شيء لم يكن.