حذّر عضو هيئة التدريس في جامعة الملك سعود الدكتور عبدالعزيز البسام من بطء الخطوات المتخذة من الجهات المعنية تجاه نقص المياه الجوفية في السعودية، مؤكداً أن مستقبل المياه في السعودية «يحمل مؤشرات خطرة إذا لم يتم التحرك سريعاً». وطالب الخبير في جيولوجيا المياه الجوفية ب«وقف الهدر في القطاعين الزراعي والبلدي، ووقف تسربات الشبكات التي باتت مرتفعة في كثير من مدن المملكة»، إذ قدّرها ب40 في المئة من إمدادات المياه. ونبه إلى أن معدل استهلاك الفرد في المملكة للمياه يعادل 286 لتراً يومياً، وهو معدل «مرتفع جداً»، بحسب وصفه في ظروف المملكة الصحراوية. وانتقد البسام التأخير في تطبيق استراتيجية المياه، التي مضى عليها 10 أعوام من دون أن تقر أو تطبق، مطالباً بإيجاد مجلس أعلى لقطاع المياه يضم الجهات ذات العلاقة، «تكون مهمته الرئيسية وضع الخطوط العريضة للسياسات المائية الوطنية، وإجازة الخطط المستقبلية الخاصة بالطلب على المياه الخاصة بتوفير المصادر المناسبة». وأكد أن ندرة المياه في المملكة تعتبر من أهم المشكلات التي تواجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ما أدى إلى تراكم العجز في الموازنة المائية سنة بعد سنة. وشدّد على أنه «آن الأوان لإعداد سياسة وطنية للمياه تهدف إلى توفير المياه اللازمة لمواصلة مسيرة التنمية الشاملة، وتحقيق طموحاتنا وتطلعاتنا، ومواكبة التغيرات العالمية الحديثة، ومواجهة التحديات التي يفرضها الوضع المناخي الذي تعيشه بلادنا»، داعياً إلى «توفير الحد الأدنى على أقل تقدير من الحاجات المائية، مع عدم الإخلال بالأمن المائي، والمحافظة على التوازن البيئي ومكافحة التصدير». وأشار عضو الهيئة الاستشارية في جائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه إلى أن النمو المتسارع للزراعة في ثمانينات القرن الماضي استهلك بشكل مبالغ فيه المياه الجوفية، بحجم بلغ 500 بليون متر مكعب، في ظل إمكانات مائية لا تدعم ذلك الاستهلاك. وأوضح أنه لو تم توفير ذلك الرقم، لكفانا الماء 100 عام مستقبلاً، لافتاً إلى أن المملكة تقع ضمن نطاق المناطق «شديدة الجفاف»، ومواردها المائية محدودة، خصوصاً من المياه الجوفية التي هي المصدر الرئيسي للمياه، معتبراً ذلك من أخطاء المسيرة الزراعية، حين تم هدر المياه الجوفية في أعوام معدودة في بيئة صحراوية شحيحة المياه. وأكد أن التوسع الزراعي وارتفاع مستوى المعيشة والزيادة السكانية جميعها عوامل أدت إلى زيادة استهلاك المياه، وبالتالي انخفاض مستويات المياه بشكل حاد. ودعا إلى وضع استراتيجية محددة للتطوير الزراعي تتوافق مع مصادر المياه المحدودة في المملكة، مشيراً إلى أن المياه الجوفية «تهدر حتى الآن»، وزاد: «صحيح أن الاستنزاف الزراعي للمياه لم يعد كالسابق، إلا أن الزراعة لا تزال المستهلك الأكبر للثروة المائية في السعودية»، مؤكداً وجود «هدر كبير جداً» من ناحية الاستهلاك غير المتزن في القطاع الزراعي. وقال البسام إن المنتجات الزراعية تحتل المرتبة الأولى من ناحية الحاجات المائية، وتستنزف كميات كبيرة من مخزوننا الاستراتيجي من المياه، «فالأمن الغذائي يجب أن يقتصر على توفير الحد الأدنى من الحاجات الغذائية، التي يمكن إنتاجها محلياً من دون النظر إلى تصدير أي منتجات غذائية من شأنها استنزاف مواردنا المائية». وأشار إلى أن الإنتاج في بعض الأصناف الغذائية يفوق حاجتنا مثل التمور وبعض أصناف المنتجات الحيوانية مثل الحليب والألبان ومشتقاتها، التي تفيض حاجة سوقنا المحلية، وتصدر إلى الأسواق المجاورة، كما أن الإنتاج المحلي من اللحوم يغطي نسبة كبيرة من حاجات السوق، داعياً إلى وضع استراتيجية محددة المعالم لتحقيق «أمن غذائي لا يضر بمواردنا المائية». وطالب بإجراء دراسات تحدد نسب الزيادة في التعداد السكاني، لأن المعلومات المتوافرة في الوقت الحاضر متفاوتة، ولا يمكن الاعتماد عليها لتحديد الطلب على المياه. ونبه إلى ضعف الدقة في تقدير كميات المياه الجوفية، ما أدى إلى إعطاء بيانات خاطئة، مطالباً بدراسة المخزون المائي والخصائص الهيدروديناميكية للخزانات الجوفية، «آخر دراسة حول ذلك مر عليها أكثر من 25 عاماً، نفذتها شركات استشارية تعاقدت مع وزارة الزراعة والمياه، خصوصاً أن تغييرات كبيرة طرأت على خصائص الخزانات الجوفية، وهو ما يتطلب إعادة درسها وتقويم أوضاعها الحالية والتغيرات التي حدثت لها من الناحيتين الكمية والنوعية حتى يتم التعرف على إمكاناتها المائية، ومدى الاعتماد عليها في الخطط المستقبلية». وشدد على ضرورة إيجاد نظام مراقبة للتغيرات المستقبلية، التي تحدث لهذه الخزانات لنتمكن من إعداد سياسة مائية متوازنة ومرنة تتوافق مع إمكانات هذه الخزانات. وينادي البسام بإنشاء مجالس إقليمية للمياه في المناطق الإدارية المختلفة لوضع السياسات المائية بما يتوافق مع حاجات المنطقة وخصوصيتها، «تعنى بشكل خاص بسياسات الطلب على المياه في الإقليم، كما تعنى بأولويات استخدام المياه ومتابعة سياسات الترشيد والتعرفة الخاصة بالاستخدامات المختلفة للمياه».