أجبرت ظروف الحياة الصعبة بجوانبها المتداخلة و"المرهقة"، عدداً من السعوديات اللاتي وقعن في شراكها، على الخروج رغماً عنهن من قوالب"الدلال"و"الغنج"و"التباهي"الملتصقة بالجنس الناعم، إلى تقمص أدوار"القيادة"و"النضال"و"الكفاح". لتدخل هؤلاء السعوديات ومن دون سابق ترصد أو إصرار منهن، في منافسة "واقعية"مع رئيستي الوزراء الراحلتين البريطانية مارغريت تاتشر، والهندية أنديرا غاندي، على أحقية كل منهم في حيازة لقب"المرأة الحديدية". ولعل ما دفع أم سارة 46 عاماً إلى تولي دفة قيادة مستقبل ابنتيها سارة 23 عاماً وصالحة 21عاماً من قبل أن يبدآ تعليمهما، إثر طلاقها وتخلي الوالد وأقاربه عن الابنتين لأعوام طويلة، قبل أن يعودوا أخيراً للمطالبة بهما بعد أن أصبحتا في سن الزواج، ما هي إلا حكاية"مريرة", عايشت فصولها سعوديات كثر من أمثال أم سارة، ومر على مسامع أفراد المجتمع أضعاف مثلها. تقول أم سارة ل"الحياة":"وحده ربي يعلم ما عانيته لسنوات من أجل تأمين حياة كريمة لابنتي، خصوصاً أننا في مجتمع ما زالت الحظوة فيه للذكور". وتضيف:"والدهما يطالب بهما اليوم من أجل تزويجهما، ولا أستطيع أن أمنعه، وكل ما أملكه الآن هو الدعاء لهما بزوجين صالحين, وبحياة سعيدة". وأجابت أم سارة عند سؤالها في ما إن كانت ترى أنها"امرأة حديدية"، نظير مجابهتها لمشاق الحياة وحيدة لسنوات طوال، بقولها:"الحديد ينصهر في تلك الأيام القاسية". أم تركي 51 عاماً هي الأخرى صارعت ظروفاً مشابهة كتلك التي عاصرتها أم سارة، وإن كانت أخف وطأةً، لكون أبنائها الثلاثة من الذكور. تقول أم تركي ل?"الحياة":"توفي والد أبنائي، وهم على مقاعد الصفوف الأولى في المدرسة، وكان والدهم على خلاف مع أخوته، توقعت أن يزول ويبادروا لاحتضان أبناء أخيهم بعد وفاته، إلا أنهم ظلوا كما عهدناهم". وتابعت:"قطعت على نفسي في حينها، أن أبذل الغالي والنفيس ليكمل أطفالي تعليمهم، فعملت في تنظيف المنازل، إلى جانب الخياطة، وأحمد الله أن أبنائي أكملوا دراستهم، وباتوا يشغلون مهناً مرموقة". وردت على سؤال"المرأة الحديدية"، بابتسامة مفادها"أجل، استحق هذا اللقب". من جهتها، أرجعت الاختصاصية الاجتماعية نورة النشوان تعددية هذه النماذج في المجتمع السعودي، إلى"طبيعة المجتمع التي يسيطر الرجل فيها على كثير من حقوق المرأة، خصوصاً ما قبل عشرات السنين، وهو ما يفسر انحصار هذه النماذج في فئة معينة من السن". وتضيف:"العديد من أمهاتنا وجداتنا عاصرن ظروفاً صعبة مع أزواجهن، إما لشح موارد المعيشة في وقتهم، أو للعادات والتقاليد التي كانت تجرم عمل المرأة، ولذلك كانت المترملة أو المطلقة منهن تقع بين مطرقة المستقبل الغامض، وسندان المجتمع وظروفه". ويبقى القول، بأن تلك السعوديات اللاتي دخلن"المنافسة الحديدية"، لم ولن يلتقين قط ب"تاتشر"و"غاندي"، ولم يشاهد الجزء الأكبر منهن فيلم الفنانة المصرية نجلاء فتحي"المرأة الحديدية", ولكنهن حصدن الصفات التي تكفل لهن منحهن هذا اللقب.