من دقات الدفوف وكلمات الشعر على ألسنة"الطقاقات"، ومن صيحات رجال العرضة الشامية، ومن أنغام الزفة المصرية ننقل عادات وتقاليد وتراث مجتمعاتنا العربية، لنهرب إلى بقعة بعيدة كل البعد عن أخبار المعتقلين، وعن المحللين السياسيين، لندخل في حال من السعادة، ولنطمئن إلى أننا ما زلنا نملك تلك القدرة على الفرح، بعيدين عن الأحداث العالمية، لكننا لسنا بعيدين عن العولمة! تختصر لنا هذه الساعات القليلة التي نقضيها في الأفراح قصتنا مع العولمة، إذ نعيش في الوقت نفسه لحظات بين عالمين: عالم بمنتهى القدم هو تراثنا وعاداتنا، وعالم بمنتهى الحداثة والعصرية هو عالم العولمة، وما يحمله لنا من أشياء كفيلة بأن تجعل من أعراسنا وأفراحنا تراثية ذات طابع معولم. ففي ظل العولمة أصبح كل شيء ممكناً، وقابلاً للتحقيق، وأن يكتسي برداء العولمة، فعلى صعيد الموائد التي تعتبر شعار الكرم والعطاء في ثقافتنا، وطريقة لحمد الله سبحانه وتعالى على نعمه، حتى وإن لم نمارس هذا العطاء إلا على أصحاب البطون الممتلئة، لكن المهم أننا نمارسه، وأنه لم ينقرض كغيره من القيم والشيم العربية، أخذت هذه الموائد تضم إلى جانب الأطباق التراثية أطباقاً معولمة، أطباقاً لا يمكن لغير الأذكياء منا أن يعرفوا ما تحتويه من مكونات، أو ما هي البقعة الجغرافية التي تأتي منها هذه الأطباق، وأصبح من واجب كل منا أن يتذوق هذه الأطباق بغض النظر عن اقتناعنا بالطعم، لكن لكي نثبت للجميع أننا منفتحون وقادرون على التواصل مع كل أطباق العالم. وبدءاً بالموائد ومروراًً بالأزياء التي أصبحت متشابهة أينما ذهبت وأينما اتجهت، بغض النظر عن وزنك أو طولك أو جنسيتك أو عمرك، فالعولمة كفيلة بأن توحد كل شيء وأن تمحو في الوقت نفسه أي طابع خاص، لذلك أصبحنا نسخات متحركة بألوان مختلفة، ألوان من ابتكار العولمة. ومن ثم يأتي دور الرقص، وأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا وأهم ما تنقله العولمة من أشياء كفيلة بأن تجعل اهتزازاتنا أقوى اهتزازات على مقياس ريختر، وربما تكون هذه الاهتزازات انعكاساً للاهتزازات النفسية الداخلية التي تصيبنا من جراء الهزائم والانتكاسات، ومن جراء التفجيرات والفقر والتخلف. أو ربما هي بدائيتنا المسجونة في ظل العولمة، التي تحتاج لأن تتحرر من وقت إلى آخر، فكل منا يهتز لسبب، البعض يهتز من الفرح، والبعض من الحزن، والبعض من الخيبة، والمهم أننا ما زلنا نملك تلك القدرة على الرقص والاهتزاز، وإلا فسندخل مرحلة السبات الجسدي إلى جانب السبات الروحي والفكري، الذي نعاني منه منذ عصور. هذا إلى جانب ما تؤمّنه العولمة من أفكار جهنمية لزفة العروس والعريس، والأجواء التي سيسير فيها الزفاف، فمنهم من يريد أن يبدو زفافه وكأنه على شاطئ البحر، والبعض يريد أن يخرج من صدفة، والبعض يريد أن ينزل من السقف ليثير الدهشة عند الحضور، والبعض يريد أن يدخل على تقليد جزيرة هاواي وما إلى ذلك من أفكار تجلبها العولمة وأدواتها. وفي قصة روتها لي إحدى الصديقات أن عروسين قررا أن يقوما بشيء"دفرنت"فاطلعا على أحدث الأفكار المبتكرة في عالم الأعراس من طريق"النت"، فقررا أن يكون عرسهما مقتبساً من قصة سندريلا، ورتبا كل شيء ومن دون علم أحد، ليكون الموضوع مفاجأة مذهلة للكل، وبعد دخول العروس تقدم العريس وانحنى أمام عروسه ليلبسها الحذاء كما في القصة، لكن المفاجأة الحقيقية أن والدة العريس كانت اتجهت نحوهما وأمسكت بالحذاء وضربته على رأسه احتجاجاً منها على كرامته التي أهدرها أمام حذاء عروسه، وللأسف لم تقتنع الأم بأن العولمة لا تهتم بكرامة العريس أو بالعادات والتقاليد. جميلة هي عاداتنا، وجميلة هي تقاليدنا، وجميلة هي بدائيتنا، لكن بعيداً عن العولمة، التي نمارسها بطريقة مشوهة تعكس مدى جهلنا بها، إن أعراسنا هي مقطع من فيلم أو مسلسل تكتمل أحداثه بعد انتهاء العرس، لتستمر أحداثه مع العريسين ومعنا، لنحيا حياتنا ونحن ما زلنا أطفالاً لا نملك القدرة على خلق عالم العولمة، وبالتالي لا نملك القدرة على العيش فيه.