إن النظام هو مجموعة متعددة من المبادئ والتشريعات والأعراف المجتمعية، وغير ذلك من الأمور التي توضع لتيسر وتنظم أمور الأفراد والحياة الاجتماعية في الدول... ولكن عندما تكون مقولة:"النظام لا يسمح"، تقف كعبارة ثقيلة ذات جمود ساكن وشبح مخيف لوأد الطموح، ولتنويم الأحلام، وقتل الإبداع، وتشتيت الآمال، وحجر عثرة أمام البعض الذي يرغب في تكملة دراسته الجامعية، خصوصاً العليا، إذ تقف الحواجز مصطفة الواحد تلو الآخر في طريق كل راغب للوصول إلى ذلك الهدف، خصوصاً من كان على رأس العمل، وكأن الحياة تقف عند حد الوظيفة... بمعنى إذا كنت تمتلك الوظيفة فلا ضرورة لأن تكمل دراستك! هذه ثقافة إحباطية بثت في المجتمع نتلقاها جيلاً بعد جيل بطرق الإيحاءات، والإملاءات غير المباشرة، وان التعليم الجامعي أصبح حكراً على أبناء الطبقة المخملية ذات المال بحكم أنه ليس في حاجة للراتب الشهري الذي يتقاضاه من بقائه في الوظيفة، فبإمكانه الدراسة في أرقى الجامعات الأوروبية، وقد يغير من جامعة إلى أخرى، وكأنه يغير ملابسه على نفقة والده الخاصة حتى وإن كان خاوياً من المقومات الأساسية للدراسة الجامعية، وإذا راودتك فكرة ركوب الأمواج وبعت من حطام الدنيا الذي تمتلكه، واستدنت، وحملت على كاهلك الديون القاسية، وبمساعدة ومشاركة جميع أفراد عائلتك من أجل الدراسة على حسابك الخاص تبدأ مرحلة جديدة من العراقيل، وينتهي بك المطاف إلى أن الشهادة وإن حصلت عليها لن تقبل بها المؤسسات الحكومية، وأن أفضل مكان تعلقها فيه هو"حائط اليأس"، أو تضعها في البوم الذكريات. والفئة الأخرى التي تستطيع القفز من على حاجز العراقيل، هي الفئة التي تملك"عصا الزان السحرية"التي تفتح كل الأبواب الموصدة، والبلسم الذي يقضي على كل علة الواسطة... فإذا كنت تملك الواسطة فإنه وبقدرة قادر يسقط حرف"لا"لتصبح العبارة النظام يسمح. وفضلاً عن تلك الحواجز السابقة لابد أن تضع الجامعات بصماتها المميزة في سجل تلك العراقيل وتضيف أنظمتها الخاصة لتعزز وتزيد من صعوبة تلك الحواجز فلا تجد لتذليلها أي شيء حتى العصا السحرية المستخدمة في رياضة القفز بالزّانا ومنها اجتياز اختبار"التوفل"أو على ما يسمى أحياناً بديل"التوفل"على جميع راغبي الدراسات العليا! إنه أمر غريب... أهذا هو دور الجامعة في خدمة المجتمع الذي يتحدث اللغة العربية، وهي لغة القرآن الكريم، واللغة الرسمية في البلد وفي وقت تعاني اللغة العربية من ضياع هويتها؟ والمفروض أن تقوم المؤسسات التعليمية وعلى رأسها الجامعات بالسعي الحثيث للمحافظة على حماية هذه اللغة وتتداول بين منسوبيها لا أن تجبرهم، وتدريجياً، على اختيار لغة بديلة للعلم، وأن ننجرف إلى ما يسمى"بعولمة اللغة"... قد تكون اللغة الانكليزية أساسية لدرس بعض التخصصات العلمية الدقيقة كالطب، ولكن ماذا سيستفيد منها في تخصص مثلاً في الدراسات الإسلامية، واللغة العربية، ناهيك عن الأعداد الضئيلة جداً للمقبولين، وشح التخصصات للدراسات العليا في الجامعات. وما يزيد الحيرة أنه عندما ننظر إلى الكثير من الدول في هذا العالم نجد من هم أقل منا اقتصاداً بمراحل شاسعة، وأكثر سكاناً بمرات عدة، لدي أبنائهم وبناتهم فرص الالتحاق بالتعليم الجامعي، بل هناك الترغيب وتقديم المساعدات، وتذليل الصعوبات من أجل إتاحة الفرص التعليمية لهم. لابد من النظام في حياتنا، ولكن قبل أن يُسن أي نظام، من الضروري أن يراعى فيه تحقيق المصلحة للأفراد على جميع المستويات، وأن تلك الأنظمة المتعلقة بالدراسات العليا ينبغي أن تواكب التطور المذهل والسريع الذي يشهده العالم بأسره، وأن يكون التطوير في النظام إلى الأفضل وفقاً للتطلعات التي يطمح لها أبناء المجتمع مع محاولة تسهيل النظام لا تعقيده. اختصاصي اجتماعي [email protected]