لم يجد سجين، يقضي شهره السادس خلف القضبان، سوى عرض إحدى كليتيه للبيع، على أمل أن يساعده المبلغ الذي سيحصل عليه من بيعها في سداد دينه البالغ 82 ألف ريال. ولم يكتف السجين هادي الحربي 37 عاماً، وهو أب لخمسة أطفال، بعرض كُليته، إذ يفكر في بيع قرنية إحدى عينيه، بعد أن أرشده سجين آسيوي، يقضي عقوبته في السجن، إلى أن هذه هي الطريقة الأفضل لخروجه من السجن، وإعادة لم شمل أسرته، التي تعيش حال فقر مدقع في إحدى قرى منطقة القصيم، على بُعد نحو 700 كيلومتر من سجنه في محافظة الخفجي. بدأت معاناة الحربي قبل أعوام، بعدما تراكمت عليه الديون، إثر اقتراضه مبالغ لعلاج والده من العمى المفاجئ الذي أصيب به. ويقول ل?"الحياة":"كنت أعيش مستور الحال في شقة صغيرة مُستأجرة، تجمعني بزوجتي وأطفالي الخمسة، على رغم أن راتبي لا يتجاوز 2100 ريال"، مشيراً إلى أنه كان يعمل سائق نقل ثقيل في إحدى شركات المقاولات، ولكنه كان يوفر مقومات الحياة. ويضيف:"استمر هذا الوضع حتى أصيب ابني عامان ونصف العام بمرض الفتاق أسفل البطن، وتزامن ذلك مع مرض والدي بالعمى المفاجئ، فبدأت رحلتي مع الديون، إذ تطلب علاج والدي مبالغ كبيرة، أما ابني فلم استطع إجراء جراحة له"، مؤكداً أن المبالغ الكبيرة التي أنفقها على علاج والده لم تنفع. وبعد مُضي سنتين من رحلات العلاج التي كادت تؤدي إلى حرمانه من وظيفته"لولا تعاطف مسؤولي الشركة مع حالتي، بدأت رحلة معاناة أخرى مع الدائنين، ومطالباتهم المُلحة بسداد الديون، مع أن معظم راتبي حينها كان يذهب لسداد الأقساط، حتى صدر بحقي حكم شرعي، يُلزمني بالسداد، فدخلت على إثره سجن الخفجي العام منذ شعبان الماضي، ما حدا ببقية الدائنين إلى رفع دعاوى ضدي، مُستغلين دخولي السجن، وتجاوزت ديوني جميعها مئة ألف ريال، إلا أنني أعطيت أحد الدائنين سيارتي وأنا في السجن، لأقلص ديني إلى 82 ألف ريال". ولم تقتصر المعاناة على الديون، إذ قرر صاحب الشقة التي كان يسكنها الحربي وأسرته، طردهم منها،"زوجتي وأولادي الخمسة عند جدهم لأمهم، في هجرة تابعة لمنطقة القصيم"، مشيراً إلى أن ابنه الأكبر توقف عن الدراسة هذا العام، لعجز زوجته عن دفع التكاليف المترتبة على الدراسة من أدوات دراسية وملابس ومواصلات". ودفع اليأس الحربي إلى محاولة الإقدام على الانتحار"فما حصل لي لا يتحمله بشر، فكيف أصبر أكثر وأبنائي لم أرهم منذ دخولي السجن، وحالهم الآن لا تقل سوءاً عن حالي، حتى قررت أخيراً وبلا تردد بيع أحد أعضاء جسمي بعد أن أرشدني إلى ذلك سجين آسيوي، واستحسنت الفكرة، فقد يئست من المخاطبات والاسترحام، وأنا مُصر على قراري، ومستعد لبيع أي عضو آخر من جسمي يصلح للزراعة، ولو كانت إحدى عيني، في مقابل أن ألم شتات أبنائي وأعيش معهم مستقراً مطمئناً".