يقال: إن أول مرة ورد هذا المصطلح في مقالة اقتصادية عام 1920، ولكن لم يجر تداوله إلا في عام 1960، وأضيف الى قاموس أكسفورد عام 1997. ومهما يكن، فالمصطلح اليوم متداول مشهور، وتوسع الناس في إطلاقه، وأحالوه مصطلحاً عائماً لا حدود له، وتهمةً وسُبةً لا تقذف في وجوه المأسورين بالنظرية، المغالين في تفسير الحوادث فحسب، بل تجاوزتهم إلى من لم يقع في أسْرها. وبهذا التوسع في مفهوم النظرية لم يعد أحدٌ مُبرأً من تُهمتها حتى ينكر وجود المؤامرة نفسها! ولك أن تتخيل عقلاً ينكر للمؤامرة أي وجود في هذا العالم الذي يموج بالنزاعات! كثير من المتمظهرين بالواقعية والعقلانية يلوكون تهمة"نظرية المؤامرة"ليقذفوها في وجه كل من يؤمن بوجود مؤامرة، حتى ولو بلغت حد الفضيحة، لأنهم لا يفرقون بين نظرية المؤامرة وحقيقة المؤامرة، وفي حسبانهم أن الحدود التي تنتهي عندها نظرية المؤامرة هي نفي وجود المؤامرة ذاتها! جاء تعريف نظرية المؤامرة في الموسوعة الحرة ويكيبيديا بأنها: عدم تفسير الأمور بحسب المعطيات الواقعية والمنطقية المتوافرة أو المستنتجة، وتفسيرُها بأنها من فعل شخص أو جهة منافسة تبقى دائماً محصورة بفكرة يحملها معه في كل وقت. وهذه النظرية مصطلح أوروبي، نشأ في زمن تصاعدت فيه الدسائس والفتن، فاختلطت الوقائع بالفرضيات النظرية، وكانت النتيجة ان مثقفين وساسة انخرطوا في تفسير الحوادث الكبرى، على أنها مخططة سلفاً من قوى خفية، من غير أن تكون لهذا التفسير معطياتٌ واقعيةٌ تشهد له. إن نظرية المؤامرة بهذا التعريف ترادف في مفهومها ما نسميه"الغلو في تقدير وجود المؤامرة"، فالغلاة في هذا الباب هم وحدهم الذين يقال عنهم: إنهم أسرى"نظرية المؤامرة"، وإنما تحسب مغالاتهم في تقدير المؤامرة وجوداً وخطراً من تفسيرهم لكل ما تصاب بها الأمة من نكبات وأزمات بأنها مؤامرة غربية، تفسيراً لا سناد له من الواقع! وكأنما الأمة لم يتوافر عليها من أسباب التخلف ما يجعلها مستحِقة لضَرَبات من الأزمات! ولا يعنينا هنا أمر هؤلاء الذين هم جديرون كل الجدارة بتهمة نظرية المؤامرة، وإنما يعنينا أمر مَن هو مصاب بفوبيا"نظرية المؤامرة"، وصار لا يفرق بين من يتوهم مؤامرات لا تصح إلا في عقله، وبين من يكشف لك من أدلة لمؤامرة تحاكى، ما يجعل لسانك يسبق لسانه إلى القول : إن هناك مؤامرة ! ومن عجيب أمر المصابين بفوبيا"نظرية المؤامرة"أنهم يقابلون تطرفاً بتطرف، وغلواً بغلو، فيغالون في إنكار المؤامرة بشتى صورها مغالاةَ المأسورين بنظريتها، الواقعين في أوهامها، فإذا كانت المغالاة في تقدير المؤامرات وسوسة وانهزاماً للأوهام والظنون، فإن المغالاة في إنكارها سذاجة وتبسيط للواقع وانخداع بدعايات السياسة والإعلام. وهل تنكر الحقائق من أجل مغالاة من يغالي في تصديقها وإعمالها؟! وما جدوى التظاهر بتصديق حقيقة من الحقائق إذا لم يكن لذلك أي أثر في الواقع تعاملاً وتفسيراً؟ وما فائدة اعترافك بوحود مؤامرات تصرِّف السياسات والعلاقات إذا كنت في الواقع تتردد أن تتهم بعض السياسات المريبة، بعد أن احتف بها من القرائن ما يدل على أنها تستبطن مؤامرةً ما؟! وقد توسعت قاعدة فريق"مسكوت عنه"من ضحايا نظرية المؤامرة بعد 11/9 فانضمّ إليه ضحايا جُددٌ لم تعتلّ من فوبيا المؤامرة إلا بشقها الإسلامي، فتحركات الإسلاميين في أعينهم مؤامرة، وأنشطةُ مؤسساتهم في معظمها مؤامرات لقلب نظام الحكم، والأعمال الإغاثية غطاء لتغذية جبهات الإرهاب، ولا مناص لها من تهمة المؤامرة ما دامت لها نسمة حركة. وعلى كلٍ فالغلو في تقدير المؤامرات أياً كانت صبغتها مرضٌ يجب أن تشخّص به أعراضه البادية على مرضاه، أياً كان تصنيفهم، وأن يُعالج منه جميع من يعتلّ به، سواء أعتل به بشقه الغربي أم الشرقي، فكلهم ينسج من خيوط الأوهام ظنوناً يسمّونها حقائق، هي أوهن من بيت العنكبوت لو كانوا يعلمون! * كاتب، ومحاضر في جامعة الإمام [email protected]