اعتصمت الأمهات الفلسطينيات المقهورات في غزة احتجاجاً على إزهاق الدم والروح والقضية الفلسطينية بالأيادي الفلسطينية. ثم ما لبثت ان تصافحت أيادي القادة الفلسطينيين على تراب مكة، لتنهزم"أنانية"حب السلطة حقناً للدم الفلسطيني البريء... ولو موقتاً. إن ما أعلن في مكةالمكرمة من اتفاق بين"حماس"و"فتح"، يعيد كرة القضية الفلسطينية"المحمومة"إلى ملعب الساحة العربية مرة أخرى، متى ما تم العمل بما تم الاتفاق عليه في"إعلان مكة"، وتنفيذ بنوده من الحركتين انحيازاً للشعب الفلسطيني وحقناً للدماء، ودفعاً للقضية في مسارها السليم، ولن تبقى إسرائيل بعد هذا الاتفاق - كما ذكرت في مقالة سابقة - تنتظر مبارزة المنتصر من الاقتتال الدائر بين"فتح"و"حماس"لتنازله وحيداً، وتفرض شروطها على الفلسطينيين والعرب جميعاً. مع الاتفاق الفلسطيني - الفلسطيني ستسعى إسرائيل إلى تغيير استراتيجيتها وأجندتها العسكرية والسياسية، أو ستعود إلى طاولة الحوار وتتعامل مع الحكومة الفلسطينية الموحدة المسنودة من الشعب الفلسطيني، والمدعومة من الأمة العربية. وستحاول التعامل"قسراً"مع كيان فلسطيني يمتلك قراراً موحداً لا قراراً مشتتاً، وليس كما كان من قبل ممزقاً متفرقاً منهكاً، ومثقلاً بجراحات الحروب والاقتتال الداخلي. على رغم أن هذا الاتفاق لم يكن الأول بين الفصائل الفلسطينية، إلا أن أهميته وقوته وضرورة التمسك به وتنفيذه، تنبع من كونه ولد فوق جثث أبناء فلسطين، بعد خسائر انشقاق كبيرة في الصف الفلسطيني، وبعد أن امتلأت الشوارع بدماء الفلسطينيين الأبرياء، الذين كانوا يبحثون في شوارع غزة ورام الله عن حل لأزماتهم المتوالية من بطالة وفقر وجوع ومرض، وهم ينادون بأعلى صوتهم المنهك، بحثاً عن حكيم بين العرب يوقف شلال الدماء، ولا يجدون غير صدى صوتهم ورصاصات طائشة من فوهات بنادق أبناء الوطن الواحد، لتحصدهم النيران وتقطع حبل الأمل الذي كانوا يتمسكون به في العودة من الشتات، حتى جاءت دعوة الملك عبدالله بن عبدالعزيز ومبادرته"العربية - الإنسانية"، واستقبال الفلسطينيين في قبلة المسلمين، في المركز الذي يوحدهم يومياً خمس مرات، لكي يجدوا حلاً واتفاقاً يعيد الأمل للأمهات الفلسطينيات الثكالى وأطفالهن الجرحى. فلسطين يجب أن تتوحد شعباً وقيادة، بعيداً عن الأيديولوجيات والأفكار المتزمتة التي لا ترى سوى نفسها، ولا تؤمن إلا بموقفها، وما أشجع التنازلات في حضرة الوطن مهما كانت المواقف وحدّة الخصومة. حكومة الوحدة الوطنية وبرنامجها الوطني الذي يحقق الإرادة الفلسطينية، ويجمع التنظيمات السياسية الفلسطينية، أصبح الآن اتفاقاً وتعهداً ومخرجاً للشعب الفلسطيني الذي قابل الاتفاق بارتياح وترحيب كبيرين، ويجب أن يصبح برنامجاً ومبادئ وغاية لكل الفصائل الفلسطينية، تحرص على تنفيذه والالتزام به، لتفويت الفرصة على المصطادين في المياه العكرة من أصحاب الأجندات والبرامج الإقليمية داخل فلسطين وخارجها، الذين يجيدون صناعة الأزمات وخلق الاختناقات والاقتتال بين أبناء الشعب الواحد، كما يحدث في العراق ولبنان. إن الاحتكام لمصلحة الشعب الفلسطيني وسلامته وأمنه الداخلي هو الضامن الوحيد لنجاح"إعلان مكة"واستمراريته، وادخار الجهود والإمكانات التنظيمية والمادية والعسكرية لمصلحة قضية عربية عادلة، ولكبح جماح ممارسات إسرائيلية عدوانية. إن التوافق من اجل الشعب وقضيته وهمومه، والاتفاق على قبول الآخر، وتوحيد الوسائل والرؤى، تبقى هدفاً وحيداً يسعى إلى تحقيق القضايا الفلسطينية الكبيرة والعادلة، التي تدعمها الديبلوماسية العربية والقرارات الدولية، بعد أن يجد اتفاق"الفرصة الأخيرة"أرضاً ومساحة واسعة ينبت فيها"السلام الداخلي"بدعم من الفصائل الفلسطينية، وتحرسه قيادات موحدة ذات رؤية حكيمة، وهمّ واحد لمقاومة الاحتلال بالطرق الشرعية والجهود الديبلوماسية. لترقص الفصائل الفلسطينية على"دبكة"السلام بين أبناء الشعب الواحد، ولتتجه الأنظار والقوى لتحرير الأرض المحتلة. [email protected] jam