مكة أون لاين - السعودية ما تتعرض له غزة اليوم هو تكرار للحرب الروتينية التي تشنها إسرائيل دوريا على القطاع مع كل مناوشة قتالية من قبل المسلحين الفلسطينيين، ليموت العشرات من العزل الفلسطينيين وتدك البنية التحتية في كل مرة تتماثل للشفاء وتنال إسرائيل القليل من الدمار من قبل صواريخ بدائية الصنع لا تتجاوز في قوتها التدميرية المفرقعات النارية، قبل أن تعقد الهدنة باتفاق دولي وتعود الحياة إلى طبيعتها بين الطرفين. في الثامن من فبراير عام 2007 دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- حفظه الله- في مكةالمكرمة أطراف النزاع على السلطة الفلسطينية فتح وحماس إلى الاتفاق على إيقاف أعمال الاقتتال الداخلي وتشكيل حكومة وحدة وطنية المعروف بصلح مكة، وهذا الصلح من شأنه رأب الصدع المتعاقب على السلطة والنظر إلى نهضة البلاد ولم شمل ما بقي منها واستثمار مقدراتها وثرواتها بما يعود بالنفع والعزة على الشعب الفلسطيني. ففلسطين حاليا هي الدولة الوحيدة في العالم بحكومتين مسلمتين متقاتلتين متضادتين متكارهتين فيما هو أشبه بمولود له جسد واحد ورأسان يحكمان حركته! إلا أن اتفاقا توحيديا على السلطة كهذا لم يكن من شأنه سوى المآل إلى الانهيار لأن طموح انتزاع السلطة كان أولى من هموم توحد الوطن والنهوض به، ومن ثم انعزلت السلطة في قطاع غزة إلى حركة حماس بعدما صعدت خلافاتها مع فتح وهي بمثابة السلطة الحاكمة لباقي فلسطين. وبرغم كل ما يحدث إلا أن السبق للمملكة العربية السعودية في دعم القضية الفلسطينية ووحدتها، لأنه من الثوابت الأساسية لسياستها، منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله والتي بدأت من مؤتمر لندن عام 1935م، ووصل هذا الدعم لأوجه في عهد الشهيد الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، حيث كانت قضية فلسطين هي أول أولوياته وتلاها إدراك حقيقة الخطر الإسرائيلي على المنطقة بأكملها. وإلى اليوم، لا تزال فلسطين هي الحيز الأول في هاجس الهم العربي والإسلامي المشترك تتزعمه المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا. أما من يرفع الشعارات لنصرة القضية الفلسطينية بالفم للتغطية على تعزيز الأجندات الخارجية على أرض الخريطة العربية وبمساعدة عملائها المحليين فهؤلاء هم من المقص الحقيقي الذي يقض مضجع الأمة العربية بأسرها. شعارات إيران وأحزابها وأشباههم من الغربيين هم من أنتج فلسطين اليوم المليئة بالرجعية الثقافية والمنتنة من روائح الدماء والفقر والقهر والحرمان والإذلال بما لا يستحقه البدوي العربي الفلسطيني الأصيل. لقد كلفتنا فلسطين استشهاد فيصل الأمة الإسلامية وحكيم العرب، ومن قبله ومن بعده سيموت كل ملك سعودي منافحا عنها ولا تزال السعودية هي الدولة الأصدق وقوفا مع القضية الفلسطينية بل إنها هي سفيرها الأول في العالم بأسره، إلا أنه آن لفلسطين أن تنهض من داخلها. انتزاع السلطة الوطنية في فلسطين بالشعارات الإسلامية والجهادية لم يعد يؤتي أكله، فقد امتلأ ما بقي من أرض فلسطين بجثث القتلى وارتهن الجزء المتبقي منها للمستوطنات على مرأى تلك الشعارات الجهادية الكذوبة وهجر الآلاف من أبنائها دون اعتبار أية هيبة لتلك الأحزاب الطامعة بالمال والسلطة فقط. آن الأوان لفلسطين أن تتداوى من باقي جراحها وأن تنهض من على ركام الحرب لانتزاع هذه السلطة. جسد فلسطين مثخن بالجروح إن لم يطيب من الداخل فلن تكون كل المعونات الخارجية سندا له على القيام. وإلى اليوم لم تحقق كل محاولات لم فلسطين وباقي شتاتها، ولكن بقي لها أن تتفق على اتحادها من الداخل فقط. حينما تتحد سترى كم من الفرص الكثيرة أهدرت وكم من الثروات البشرية أنفقت وكم من ما لا تحصيه لن يعود، وفي انتظار تأويلات النصوص الشرعية وتحقق نبوءاتها ربما بعد قرون، تستطيع فلسطين بإرادتها أن تكون متى ما أرادت ذات سيادة متحدة وذات ثقل اقتصادي وذات ثقل صناعي مؤثر. فلم يكن حظها في الإبادة البشرية كحظ سكان هيروشيما وناجازاكي ولم يكن حظها في الحروب كحظ الفرنسيين والإنجليز والتي امتدت أكثر من خمسمائة سنة تقريبا، كلا منهما يريد استعمار الآخر. بإمكان الفلسطينيين أن يستثمروا مساعدات الدول الخارجية لبناء فلسطيني واعد ينفض ركام الحرب عنه كما فعلت فيتنام، كما بإمكانه أن يبقى كما هو للأبد بفعل اقتتال أبنائه على السلطة من خلال توظيف عدد لا نهائي من الشعارات الإسلامية التي لا تعترف ببناء ووحدة ونهضة فلسطين لتلحق بركب باقي الأمم.