بعد أكثر من عقدين ونصف على صدورها، لا تزال رواية الأردني إبراهيم نصرالله"براري الحمى"، تثير الجدل حول مضامينها. وتصادف أن اطلع أخيراً بعض مثقفي القنفذة والعرضية، التي تناولتهما الرواية كمكان وكمجتمع، على الطبعة الجديدة من الرواية فأثارت حفيظتهم، واعتبروها تشتمل على مغالطات عدة، ومنها التاريخ الخاطئ للمحافظة ووصفها بالمتأخرة ونعت أهلها بالتخلف والرجعية. وقال الكاتب والمؤرخ عبد الله الرزقي:"إن إبراهيم نصر الله كتب أموراً مغلوطة عن المحافظة، ولو أن ما ورد في ثنايا هذه الرواية من مغالطات وأوهام وهلوسات مما يكظم الغيظ معه ويعفى عنه لكان ترك الرد أحسن والصمت أبلغ. ولأن التاريخ لن يسمح بصمتٍ رهيب من جهابذة النقد العربي المنصف حينما غابوا أو تواطؤوا وتساهلوا في مرور هذه الرواية، بعدم إخضاعها لميزان الإنصاف والنقد، ولأن التاريخ سيلوم مستقبلاً من صفق وطأطأ رأسه لهذه الرواية، وهو يدرك ما حملت في ثناياها من التجاوزات. ولأن الأجيال القادمة من أبناء القنفذة والعرضية لن تعذر من بارك لهذه الرواية، بعد أن يكتشفوا أن في طواياها إساءات وتحقير لمسقط الرأس ولشبرٍ أو ذراع أو ميل عزيز من هذا الوطن المعطاء الغالي. ولأن هذه الرواية بما حملته من التجاوزات عرضت في المعرض الدولي للكتاب بجدة في 2004-12-13 دونما تأمل فيما حوت". وأضاف الرزقي أن هذه الرواية"مكتوبة بمداد الحقد وهي عبارة كافية للتعبير عن امتعاض أبناء منطقة القنفذة والعرضية، وعدم رضاهم لما سطّره يراع نصرالله في تلك الرواية مما لا يُرضي". والرواية في واقع الأمر استحقت حكم الحرق، الذي أُوْصِي به للروائي من أحد النقاد، وإن أصر الروائي على إبقائها وطبّل لها من طبل فإنها محروقة معنوياً من اهتمام وفكر القارئ بلا شك". وحول انتباهه المتأخر للرواية التي صدرت في طبعتها الأولى قبل نحو 24 عاماً، قال الرزقي:"لم يكن من المتيسر العثور على هذه الرواية لقراءتها، ونحن من ضمن من لم يعثر عليها، وقد تكون وصلت هذه الرواية إلى عدد من المثقفين السعوديين، ولكن قلّ كثيراً أن يكونوا من أبناء المحافظة". من جهة أخرى، كانت"الحياة"نشرت حواراً مع الروائي إبراهيم نصرالله أجراه الزميل علي الرباعي، وقال إنه بدأ"بكتابة الرواية في السنة الثانية لوجودي في القنفذة، وواصلت كتابتها في ما بعد ذلك على فترات متقطعة لمدة أربع سنوات، لكنني فجأة مزّقت كل ما كتبته، لأن إحساسي الذي عشته كان أقوى بكثير من كلماتي التي كتبتها، وبعد شهور كنت أسير في الشارع حين بزغتْ الجملة الأولى منها، كتبت الجملة على ورقة صغيرة، وعدتُ للبيت فوراً، وبمجرد وصولي لتلك الجملة أدركت أن الرواية وجدتْ سكة الحديد التي تسير عليها، وأنها قد كُتِبَتْ فعلاً". في ما يخص النقد أضاف قائلا:"في البداية تعامل معها كثير من النقاد بحذر، وأحدثت شرخاً فعلياً في تلقيهم، فهناك من كان ضدها تماماً، وهناك من كان معها تماماً، ووصل بأحد الأصدقاء الكتّاب الحزبيين الذي قرأوا الرواية مخطوطة أن قال لي:"هذا أدب أسود، احرقها". ولحسن الحظ أنني لم أستجب لتلبية دعوة حفلة الإعدام هذه، فقد كنت كتبت الرواية كما أفهم الرواية الرواية بشكل عام وكنت متحرراً من حسابات الطريقة التي سيستقبلها بها النقد، لأنني كنت في الحقيقة في ذروة نجاح شعري، وعلى هذا الرصيد اتكأت وأنا أتمرد. بعد ذلك بسنوات، عاد كثير من النقاد الذين كتبوا ضدها للكتابة عنها بصورة إيجابية جداً، وتناولتها دراسات كثيرة توازي أضعاف حجمها وكُتبت عنها وعن غيرها من أعمالي الشعرية والروائية رسائل جامعية أوروبية وعربية، وترجمت إلى ثلاث لغات، وأعيدت طباعتها ثلاث مرات بالعربية، وما زال النقد الأوروبي يتعامل معها بانبهار كما لو أنها رواية كُتبت اليوم، وليس قبل 24 عاماً.