كلُّ شيء كان منصهراً في موقع الانفجار في الحوية، حتى الحديد الصلب ذاب كالشمع، هذا هو خلاصة المشهد الذي تكشّف أمس، أمام رجال الدفاع المدني والأدلة الجنائية والمسعفين، إضافة إلى طواقم"أرامكو السعودية، الذين وجدوا في الموقع مع إطلالة الصباح. "الموت مرَّ هنا"، تعليق صدر من أحد المسعفين، وهو يُمعن النظر في البقايا البشرية المختلطة بالحديد المنصهر، وعلى رغم ان هذا المسعف ألِفَ"مناظر الموت"، لكثرة ما باشر من حوادث، بيد أنه لم يتمالك نفسه، وهو يشاهد جثة انتشلت من ساحة"الحريق الكارثي"لتمثل له صورة مأساوية جديدة، إذ كانت الجثة لرجل لا يفصله سوى سنتيمترات عن الأنبوب المنفجر، الذي صهر لحمه وجلده تماماً، ولم يتبق منه سوى عظامه، وكانت يداه مطبقتين على وجهه، في محاولة على ما يبدو لصد ألسنة اللهب، التي لم ترحم حتى الحديد. وامتدت ألسنة اللهب الحارقة على دائرة قطرها كيلومتر، وهو ما يفسر العثور على بقايا جثث منصهرة وأيادٍ وعظام ولحم، انفصلت جميعها عن أجساد أصحابها، وتوزعت في أماكن عدة. وعلى رغم ذلك خرج العامل طاهر العلي سالماً، لم يمسسه سوء، بعد ان أشيع خبر وفاته أول من أمس، إثر عدم العثور عليه، فضمه زملاؤه إلى"قائمة المتوفين"أو على الأقل"المفقودين"، غير ان العناية الإلهية أنقذته، بعد أن خرج وأحد زملائه قبل نصف ساعة من وقوع الانفجار، إلا أنّ طاهر لم يصب بشيء، بيد أن زميله الذي كان في دورة مياه تبعد نحو 400 متر عن مركز الانفجار، أصيب بجروح بسيطة في ظهره. واختلطت مشاعر الفرح بالخروج من الكارثة حياً، مع مشاعر حزن دهمت العلي وزميله، على"الزملاء الذين كانوا معنا قبل ثوانٍ، وواجهوا الانفجار المهلك، وانتقلوا إلى رحمة الله تعالى". وانتشلت أمس، أربع جثث، كانت"هي الأخيرة"، طبقاً لترجيحات أحد الذين حضروا في مكان الحادثة، وأشار إلى أن"عشرة أشخاص فارقوا الحياة مباشرة بعد الانفجار، وهم الذين كانوا أمام الأنبوب مباشرة". وطبقاً لإحصاءات غير رسمية، فإن عدد المتوفين"وصل إلى 48 شخصاً، حتى الآن". ولم يمهل القدر أحد العاملين في منطقة"الحوية"، إذ إنه قبل أن يترجل من سيارة مخصصة لرفع الأنابيب، وصل الحريق إلى داخل كابينة القيادة، ليحترق تماماً، وعثر عليه فريق الإسعاف خلف مقوده، أثناء إجراء مسح في الموقع للبحث عن بقية الجثث. وعلى رغم أن وجه الأنبوب المنفجر كان باتجاه الجنوب من المنطقة، إلا أن من كان في منطقة الشمال لم يسلم أيضاً من الحرارة العالية، التي كان يدفع بها الأنبوب في كل اتجاه، إذ عثر على جثث متفحمة داخل خيمة كان أصحابها يقضون وقتاً للراحة،"انه انفجار هائل أكل الأخضر الموظفين واليابس الحديد"، قالها أحد الذين وطأوا مكان الحريق، الذي سيكون ذكرى أليمة للجميع، إلا أن أشدهم حزناً هم أهالي المتوفين. وعمال آخرون التقت بهم"الحياة"في مستشفى الملك فهد في الهفوف، رووا لها جوانب أخرى من المأساة، ويقول أحدهم:"كنت أقف في مكان يبعد عن موقع الانفجار بأكثر من 500 متر، وأثناء قيامي وزملائي بإنزال أنابيب كبيرة قريباً من السور، سمعنا دوي الانفجار الهائل، ولم نلبث حتى شعرنا بحرارة عالية تكوينا، فأصبت بحروق متفرقة، وحتى زملائي الذين كانوا خلفي، ويبعدون نحو 750 متراً أصيبوا بحروق متفرقة". وأكد هذا العامل أن"أقفال أنبوب الغاز التي تبعد نحو 500 متر عن مركز الانفجار، كانت محكمة الإغلاق، لضمان السيطرة على مثل هذه الحالات الطارئة، وعلى رغم ذلك وقع هذا الانفجار الغريب، الذي ستظهر التحقيقات التي تجريها شركة"أرامكو السعودية"أسبابه". وروى مصاب آخر أنه"أثناء العمل مع أحد زملائي سمعنا دوي الانفجار، وكنا نبعد عن مركز الانفجار بنحو نصف كيلومتر"، ويصف لحظة الانفجار"كأن الأرض من تحتنا أصابها زلزال، وأثناء محاولتنا الهروب من الموقع أصابنا دوار في الرأس وسرعة خفقان في نبضات القلب، بسبب استنشاقنا كمية من الغاز المتسرب في الجو، والحرارة الشديدة بسبب الانفجار، فوقعنا على الأرض".