طالب عدد من الكتاب والأدباء بمرونة في الرقابة على المطبوعات، بحيث تلائم المرحلة الحالية التي تتميز بالانفتاح الثقافي، وتحد أيضاً من هجرة الكتاب والأدباء إلى خارج المملكة لطباعة كتبهم. وتحدث بعضهم عن آلاف العناوين لا يتم فسحها من دون إبداء أسباب واضحة. وهناك من يرى أن تخصصات موظفي الرقابة، وغالبيتها تاريخ وجغرافيا، لا تساعدهم على قراءة الكتب والغوص في محتواها، وبالتالي القدرة على إصدار القرار إذا ما كانت تستحق الفسح أم لا. وشدد عضو مجلس إدارة نادي الطائف الأدبي الدكتور عائض محمد الزهراني على أهمية الاهتمام بعودة الكتاب إلى مكانته المعهودة، وقال:"أصبحنا اليوم في عالم مليء بالوسائل الحديثة لنقل المعرفة، وبدأ الكتاب في التراجع نتيجة لتضييق الحصار عليه، على رغم أن الكتب هي التي تخلق المثقف الواعي وتوسّع المعرفة والمدارك، مقارنة بالوسائل الأخرى التي تخلق الباحث"، وتمنى الزهراني من وزارات الإعلام العربية مواكبة التطور وترك مساحة من الحرية للحوار،"الإنسان اليوم أصبح يستطيع الحصول على أي كتاب حديث عن طريق الانترنت"، لافتاً إلى أن الكتاب تراجع في الآونة الأخيرة، محذراً من تراجعه أكثر وهو الذي تقاس به ثقافة الأمة وتاريخها. مؤكداً ضرورة وجود عدد من المثقفين والمؤلفين لديهم هاجس القلق من الحظر"عندما يفكر المثقف والأديب في تأليف كتاب يتراجع خوفاً من الرقيب الذي قد يمنع حصوله على الفسح"، وطالب بأن ترتفع مساحة الحرية في الكتابة والتأليف، واستثنى ما يتجاوز العقيدة الإسلامية والمساس بالديانات السماوية الأخرى. ونوّه إلى أهمية إعادة التفكير في كيفية إجازة الكتب وفتح باب أوسع لدخول الكتاب من المنافذ من دون تشديد المحاذير، مستبشراً بالانفتاح الكبير الذي شهدته السعودية في معارض الكتاب أخيراً ب"السماح لكتب كانت محظورة في السابق، نأمل بأن نجد تباشير جديدة وأن تصل عملية الانفتاح إلى أقصاها، خصوصاً بعد أن وصلت إلى القمة من الناحية السياسية بقيادة خادم الحرمين الشريفين، الذي دعا إلى أهمية الحوار مع الآخر والتعرف على ما لديه من ثقافات مختلفة". وأكد أهمية أن يكون موظفو الرقابة من المثقفين، حتى يكونوا على اطلاع تام على الكتب التي يتقدم بها الكتاب لفسحها، وتكون لديهم خلفية كافية في الأمور الشرعية والسياسية، حتى لا يقع الكتاب تحت تأثير ثقافة بعض الموظفين المحدودة أو المتعلقة بموضوع بعيد عن الأدب والحضارات، ما يجعله يسيء فهم الكتاب. ولفت الزهراني إلى أهمية الأخذ بتجارب وخبرات الدول المتقدمة في هذا الجانب، مؤكداً أهمية تأسيس لجنة من المثقفين في مختلف المجالات"تتكون هذه اللجنة من أشخاص يؤمنون بمتطلبات العصر القادم والتقدم، وتكون نخبة من المثقفين من أصحاب الخبرة والتجارب تحت مسمى اللجنة التطويرية، بدلاً من مصطلح الرقابة الذي يثير القلق لدى المؤلفين". ويرى الروائي الباحث التاريخي محمد أبوحمرا أن النظام الرقابي لدينا شبيه بالغرفة المظلمة، ويغلب الروتين الإداري على العقل لديهم، وأشار إلى أن الرقابة أصبحت أشد منها سابقاً، مشيداً بإدارة وكيل الوزارة المساعد لشؤون المطبوعات سابقاً الأستاذ محمد علوان"أثناء إدارته برزت الرواية في السعودية لأنه أديب وقاص"، مؤكداً أهمية أن يكون موظفو الرقابة ومسؤولوها من المثقفين. ويختلف معه الكاتب الناشر عادل الحوشان، إذ يجد أن القيود الرقابية قلت، وأن وزارة الثقافة والإعلام تقدمت في الفترة الأخيرة، وطالب برفع الرقيب عن قلم المبدع السعودي فقط، وألا يتدخل إلا في كتب الطوائف الدينية والكتب التي تحمل فكراً معادياً قد يضر. وقال الحوشان:"زمن الرقيب انتهى اليوم مع وجود الكتاب الالكتروني والقدرة على الحصول على الكتاب الممنوع عند السفر إلى الخارج"، وتمنى من وزارة الثقافة والإعلام أن تتبنى المبدع والمفكر السعودي وتصدره إلى الخارج وليس العكس"ظلت بلادنا تستورد كتابها المبدعين بعد أن تنتشر أعمالهم ومؤلفاتهم خارجياً"، لافتاً إلى أن معظم دور النشر العربية والأجنبية تسعى إلى استقطاب الكاتب السعودي"تجد دور النشر في الكتاب السعودي مكسباً كبيراً"، مرجعاً السمعة الكبير التي اكتسبتها دور النشر الأجنبية إلى نشرها الكتاب السعودي. فيما اعتبر الأديب القاص محمد المنصور الشقحاء أن الشكاوى المعلنة التي يقدمها بعض الكتاب والمؤلفين ضد رقابة المطبوعات ما هي إلا ترويج فج للكتابة، وقال:"تنطوي هذه الشكاوى تحت وهم الهاجس العام المرتبط بالحديث عن المسكوت عنه وهو"الجنس"أولاً وأخيراً". منوهاً إلى الإصدارات المطبوعة في بيروت ولندن التي لا تحمل أي مضمون ثقافي أو سياسي"معظم المؤلفات الصادرة في الخارج لم ترتق إلى الفكر وأبعاده السياسية والاجتماعية المنبثقة من وعي بالمصادرة، التي معها نكتشف الفجوات السياسية والاجتماعية في دولة لم تستطع حكوماتها تجسير الهوة بين قيم أقاليم توحدت سياسياً وإدارياً". لافتاً إلى أن"توقف الدمج الاجتماعي لأسباب عدة خلق ترسبات في داخلنا فهربنا إلى"الجنس"، فأصبحت ثقافتنا قائمة على إيمان تقليدي لا يواكب الحاضر". وأشار إلى أن هاجس الرقيب كان في السابق مرتبطاً بالشرط الحكومي،"اليوم يأتي الرقيب الخائف من هذا الاندفاع غير السوي من كُتّاب مجهولين تجاربهم لم تنضج، وكتاباتهم مجرد مشاريع توطين لأعمال تأثرنا بها". معتبراً أن هذا الخوف طبيعي في زمن لم يعد فيه للرقيب مكان في دائرة المعرفة. ولفت إلى أن التخصصات العامة لموظفي الرقابة التي لا ترتبط بالأدب تأتي في سياق الفرص الوظيفية العامة، رافضاً فكرة اشتراط المثقف الأدبي أو الفكري رقيباً، مرجعاً ذلك إلى أنه اعتساف مزعج،"قد يوظف هذا الرقيب الأديب ذائقته في إجازة النص ما يحرمنا التعددية، وإفراغ الثقافة من المحتوى الوطني التحرري، وتشكيلها بحسب شرط الفردية المستسلمة التي معها لا نصل إلى الحقيقة"، وأكد أن اقتحام الكتاب المزيفين عالم الصحافة سبب ما وصلنا إليه. وأكد الشقحاء أن المقترحات على رقابة المطبوعات غير مجدية، ولن يكون لها أثر، مرجعاً ذلك لأسباب عدة"الكاتب حر في ما يدون كمبدع وفنان، والكاتب الحقيقي هو من ينطلق من واقعه بعيداً عن أي مؤثر خارجي". وأضاف:"هذا المعطى نجده في كُتّاب نشعر أنهم معنا بما خلفوا من تراث إنساني، ونترحم عليهم لأنهم أشعلوا الشمعة التي أنارت الطريق، ولم يشكوا من الحصار القائم حولهم، المهم الصدق والوعي بالأثر". وأشار إلى أن"الهجرة في هذا الزمن إلى الخارج تأكيد تواصل، إنما كيف نوفر ذلك لمصلحتنا؟ هنا يكون الوعي بالمواطنة والشعور بالفخر".