جدير بنا أن نختم شهر رمضان بأفضل خاتمة وأرقى الخواتم، ألا وهي التوبة النصوح، يقول تعالى:"كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم"، عهد ألزم به الله نفسه أن يتوب على عباده إذا رجعوا وأنابوا إليه، فاجعل اللهم خير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاك... هذه خير الختام وأحسنها عملاً يختم بها الصائم شهر الله المبارك... خير الختام في شهر الضيافة... خير الختام بالعمل الصالح. فيقول تعالى قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا، ولذلك مهما كانت الذنوب، ومهما كانت المعاصي باب السماء مفتوح، باب التوبة مفتوح، وأبواب الجنة مفتوحة، فلنبادر إذاً بانتهاز الفرصة الثمينة، ولكن الشرط أن يكون سؤال الإنسان لربه بنية صادقة وقلب صافٍ وروح طاهرة... حتى يلقى الإجابة... وأثمن وقت وأسرعه للإجابة هو هذا الشهر الشريف، إذ علينا الحفاظ على ثوانيه ودقائقه وساعاته وأيامه، ونحن على شرف ضيافة الخالق لنا، الرسول محمد"عليه الصلاة والسلام"يقول لأبي ذر الغفاري"رضي الله عنه"يا أبا ذر كن على عمرك أشح منك على درهمك ودينارك. الإنسان الحريص على عمره وعلى مبدئه السامي هو الذي يبادر ويحافظ على العمل الذي خلق من أجله ويسعى للحرص على ذلك بكل الوسائل الممكنة، لذلك الحريص على وقته وعمره هو الذي يبتهل إلى ربه، وإلى مصدر عطائه قبل أن يلقى ربه، فالفناء أمر حتمي لا مفر منه، الفرصة قبل أن ننزل في البيت الجديد الذي لا نور فيه ولا راحة فيه إنه القبر وما أدراك ولذلك قيل في الدعاء"ولو لم يكن إلا الموت لكفى، كيف وما بعد الموت أعظم وأدهى؟!"، فهل أعددنا لهذا البيت الذي سنكون وحيدين غريبين فيه... فهل أحد منا يعلم انه سيبلغ شهر رمضان في السنة المقبلة؟ الإنسان الحريص على عمره هو الذي يبادر بالتوبة والإنابة... قال الرسول"صلى الله عليه وسلم": بادر بأربع قبل أربع: بشبابك قبل هرمك، وبصحتك قبل سقمك، وبغناك قبل فقرك، وبحياتك قبل موتك"، ما دمت شاباً حياً تملك القدرة والحيوية والنشاط بادر بالعبادة قبل الندم، يقول تعالى أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة... النساء 78... إذاً علينا بالمبادرة قبل أن يأتي الموت بغتة، لأن كل نفس لا تعلم متى ستموت وفي أي أرض ستدفن. هذا لا يتحقق إلا إذا ابتعدنا عن كل الملذات الدنيوية الزائفة... حتى نرى النور وننال كل خير ونكون على أحسن حال... خصوصاً في شهر رمضان... فبالصبر يبتهج القلب بنتيجة العمل الصالح، فيوم العيد يوم الفرحة، لمن؟! يوم العيد لمن؟! العيد للتائبين، العيد للمستغفرين الصابرين، من بلغ الشهر الكريم تاركاً لذنوبه ومعاصيه وأحسن أعماله فيه جاءه عيد الفطر المبارك بثوب جديد كما ولدته أمه، هذه لذة العيد وحقيقته المعنوية، بعكس الذي احتطب على ظهره ذنوبه ومعاصيه ولم يبالِ حرمة الشهر الكريم فحقيق هو الباكي على سوء حال من الأسى والندم على ما فرط في جنب الله ولم ينتهز ضيافة خالقه له... لماذا؟ لأن فرحة يوم العيد هي ملازمة لفرحة يوم القيامة بلقاء الله عز وجل، فمن كان فرحاً بلقاء الله مهد الطريق والمسلك المستقيم له وبذل الطريق إلى عطاء صالح ونور مشرق آمن من كل ظلمة وعذاب ،هذا هو الذي يشعر بالبهجة والسرور ويحق له أن يفرح في هذا اليوم، لأنه من التائبين الذين رضي الله عنهم وغفر ذنوبهم وقبل توبتهم... نسأل الله بأن يجعلنا ممن اعتق رقبته من النار وممن غفر ذنوبه وقبل توبته وتقبل صيامه وقيامه وممن جعله مرضياً عنده. [email protected]