لم يتردد بعض الباحثين في جامعتي الملك عبدالعزيز وأم القرى في وصف أحداث القيس القديمة بأنها تشكل إرهاصات لعمل مسرحي ناجح، من واقع تقسيم أحداثه إلى مشاهد، إذ يبدأ المشهد الأول ليلة الوقفة، وتمر بقية المشاهد بأيام التشريق"أيام الخليّف". هكذا راح الباحث شوقي الأحمدي يتخيل نصه المسرحي عن عادة القيس، وأضاف:"أفكر في ذلك جدياً فمن خلال إعدادي لأطروحتي عن التراث الاجتماعي المندثر، خطر في بالي أن أكتب نصاً مسرحياً يصوره فولكلور يحمل الكثير من الجوانب الاجتماعية والفنية، التي غابت عن حاضرنا بينما بقيت أهازيجها مخزونة في الذاكرة". القيس تراث لطيف، هكذا وصفه الطالب طارق بن ظافر، الذي يحضر لنيل درجة الماجستير في العادات الشعبية البائدة، وأردف قائلاً:"ولكنه صعب الاستعادة واقعياً لهذا بدأت في كتابة مسرحية تتناول هذه العادة، التي لا تخلو من طرافة، خصوصاً عندما تبصر النسوة رجلاً متخلفاً عن الحج، فيصحن فيه وينشدن الأهازيج، ومنها: "يا قيسنا يا قيس / الناس حجوا / وأنت قاعد ليش؟ الليلة نفره/ قوم ادبحلك تيس قوم روح لبيتك / قوم اخبز لك عيش / قوم اخبزلك عيش". ولكن ما هو"القيس"؟ يشير الدكتور أبوبكر باقادر في دراسة نشرها قبل سنوات، الى أنه حتى عهد لا يقل عن أربعة عقود، كانت نساء مكة والطائف، وربما قلة من نساء جدة، يخرجن ليلة عيد الأضحى ولمدة ثلاثة أيام تسمى بالخُلّيف بضم الخاء وتشديد اللام، في طقس فولكلوري احتفالي يسمى القيس، إذ تتنكر فيه النساء بالملابس ويتبادلن أدواراً ذكورية هزلية، ويتغنين وقت أن تكون المدينة خلت من الرجال الموجودين حينها في المشاعر المقدسة برفقة الحجاج، ومن بقي منهم في المدينة يلتزم بيته ولا يجرؤ على الظهور، ومن يخرج يتعرض لمطاردة النساء اللواتي يلاحقنه بالعصي مرددات أهازيج منها: "يا قيسنا يا قيسنا / هيا معانا لبيتنا / نسقيك من شُربيتنا/ ونطلّعك في بيتنا / والليلة نروح عند أبوعلي / والله نروح وندبحلك الطلي / أبو الصمادة والعقال/ من يوم شفته عقلي طار". وعندما يتم استدراج القيس - وهذه التسمية تعود كما ذكرت الدكتورة لمياء باعشن الى تسمية إحدى النساء بهذا الاسم الرجالي قيس أو المتخلف عن الحج - تعد النساء له وليمة من الضرب المبرح، حتى لا يعيد الكرة في العام المقبل ويتخلف عن الحج...، وبعد إنهاء الحجيج مناسكهم يعود الرجال الغائبون ويهنئهم أهل الحارة، ويخبرونهم عن المتخلف وما جرى له. وفي أيام القيس الغابرة وحتى الوقت الراهن يتفنن الحجازيون في صنع الأطعمة والحلويات الخاصة بالعيد، والتي ذكرها الرحالة الشهير"ابن جبير"في القرن السادس الهجري واستمرت هذه الحال على مر الأزمان، حتى غدت المأكولات الحجازية مضرباً للمثل. وتبرز في عيد الأضحى أكلات مثل حلوى الغُريبة وهي كعك من طحين الحمص المعجون بالسكر الناعم والسمن، إضافة إلى كعك المعمول المكون من حنطة محشوة بالتمر وأحياناً بالمكسرات، وبعد عجنه بالسمن البلدي يخبز في الأفران ويرش ببودرة السكر البيضاء. وإذا كان جميع المسلمين يحتفلون بعيد الأضحى، فان الحجازيين ينشغلون بخدمة الحجيج والعمل الجاد بحثاً عن الرزق طوال موسم الحج، غير أن قلة من الحجازيين الآن، وربما من الشيوخ المسنين والمسنات، يتسامرون في ليالي العيد ويرون ذكرياتهم عن ألعاب القيس لأحفادهم، تلك الحكايا التي تفضح، في مرح وحبور، من تلقى علقة ساخنة في أيام الخليف. +