منذ بداية العهد السعودي، اشتهر مهرجان "القيس" في الحجاز للتنديد بالمتخلفين عن خدمة حجاج بيت الله الحرام، وهو مهرجان خاص للنساء فقط، إذ كانت سيدات الحجاز يتنكرن في ملابس ذكورية، ويتبادلن أدوارا هزلية، ويتغنين، حينما تخلو البلد من الرجال الذين يتوجهون إلى المشاعر المقدسة لخدمة الحجيج. أما من بقي منهم في البلد، فيلتزم بيته ولا يجرؤ على الظهور، ومن يخرج منهم يتعرض لمطاردة النساء، اللاتي يلاحقنه بالعصي مرددات أهازيج معبرة عن الموقف. وكان كثير من الرجال يذهبون إلى المشاعر المقدسة لأداء فريضة الحج، ومنهم من يذهب للعمل وكسب الرزق، ومنهم من يعمل مع الوكلاء ومطوفي الحج لخدمة الحجاج. وتبقى النسوة في مدن الحجاز. ويروي المؤرخ وليد شلبي ل"الوطن" حال البيوت والشوارع قبل 50 عاما مضت، إذ كان الصمت يسكن أرجاء كل مدينة من مدن الحجاز، وما إن يرخي الليل أستاره حتى تستعد الحجازيات للقيام بمهمات الحراسة، وتأمين الحي، وكن يخرجن متنكرات في أزياء رجالية مختلفة، ويتفنن في إظهار أجمل الأصوات وأحسن الإيقاعات ودق الطبول في إيقاع معين بعد أن يقسمن أنفسهن إلى مجموعتين. وأضاف أن تسمية المهرجان بهذا الاسم تعود إلى اختيار إحدى النساء اسم رجل "قيس" أو الشخص السليم المتعافي المتخلف عن خدمة الحجاج. وقال شلبي إن "القيس" يعد تراثا لطيفا، يهدف إلى تسلية النساء وحماية الدار من الأشقياء واللصوص أيام الحج، إذ كن ينشدن "يا قيسنا.. يا قيسنا.. الناس حجوا وأنت قاعد ليش؟ الليلة نفره قوم ادبحلك تيس قوم روح لبيتك قوم اخبزلك عيش". وأضاف أن تعريف عادة "القيس" تعود إلى خمسة عقود مضت، إذ كانت نساء مكة والطائف، وربما قلة من نساء جدة يخرجن ليلة عيد الأضحى ولمدة ثلاثة أيام تسمي ب"الخُلّيف" في طقس فلكلوري احتفالي يسمى "القيس". ومنذ أيام "القيس" وحتى الوقت الراهن، يتفنن الحجازيون في صنع الأطعمة والحلويات الخاصة بالعيد، والتي استمرت على مر الأزمان حتى غدت المأكولات الحجازية مضرب المثل، إذ تبرز في عيد الأضحى أكلات مثل حلوى "الغُريبة" وهي كعك من طحين الحمص المعجون بالسكر الناعم والسمن، إضافة إلى كعك "المعمول" المكون من حنطة محشوة بالتمر وأحيانا بالمكسرات، وبعد عجنه بالسمن البلدي يخبز في الأفران ويرش ببودرة السكر البيضاء.