النجاح الذي حققه فيلم"ظلال الصمت"كأول فيلم سعودي روائي طويل، وبعد عرضه في مهرجان"كان"هذا العام، أشعل الرغبة في نفوس الجمهور السعودي لمشاهدة بقية أفلام المخرج"عبدالله المحيسن"خصوصاً أنها لم تعرض حتى الآن بشكل عام - سينمائياً أو تلفزيونياً - ولم تسوق على أشرطة الفيديو أو الأسطوانات المدمجة. وكان أول تلك الأفلام فيلم"اغتيال مدينة"، الذي عرض في مهرجان القاهرة السينمائي الثاني عام 1977، وحصل آنذاك على جائزة أحسن فيلم قصير، وهو بمثابة معالجة تسجيلية لأحداث الحرب اللبنانية، تميزت برؤية سينمائية محايدة بعيدة عن إثارة النعرات الإقليمية أو الطائفية. برعت عدسة المحيسن في التقاط المشاهد المعبرة عن رفضه للعنف والحرب والدمار، في قالب من الرثاء لمدينة بيروت التي أحبها. وفي العام 1983 قدم المحيسن فيلم"الإسلام جسر المستقبل"في زمن عرض مدته50 دقيقة، جسد خلالها صورة العالم الإسلامي في نهاية القرن ال20، مركزاً على أهم القضايا الإسلامية التاريخية. وعمل على مونتاجها وفق ثيمة الإسقاط التاريخي على الراهن حينذاك.. وبرز الفيلم في مجمله كدعوة إلى الوحدة العربية الإسلامية، البعيدة عن الإيديولوجيا الغربية أو الشرقية. واستمر المحيسن - 59 سنة - في تقديم أفلامه، فصاغ بأسلوبه الخاص فيلم"الصدمة"، الذي تناول خلفيات احتلال الكويت، ثم حرب الخليج في العام 1990، مبرزاً إنعكاسات ما دار في وجدان الإنسان العربي، والذي أصيب ب"صدمة"هزت الكثير من المفاهيم والقيم الراسخة لديه، عايش المخرج بشخصه الأحداث، ووثقها بكاميرته غير المنحازة التي لم تكن تسعى إلى إدانة شخص أو نظام أو دولة بعينها، وإنما حثت على البحث والتفكير في ما يجب عمله تجاه ما حدث، ثم محو المسببات التي شوهت الوجه الحضاري للأمة العربية. وفي بداية عامنا هذا كانت الخطوة الحقيقية للمحيسن في تقديم فيلمه الروائي"ظلال الصمت"- 110 دقائق - والذي دارت أحداثه إبان مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وأسند بطولته لمجموعة من الممثلين السعوديين والعرب منهم: عبدالمحسن النمر، ونايف خلف السعودية، وغسان مسعود، ومنى واصف سوريا، ومحمد المنصورالكويت، سيد أحمد أقوميالجزائر وغيرهم. وكتب موسيقاه التصويرية زياد الرحباني. وناقش الفيلم أزمة الإنسان العربي وعجزه عن مواجهة نظام متسلط يوظف أساليب التكنولوجيا لإحكام السيطرة على العقل وعزل فكره. يحدث ذلك في صحراء نائية داخل مبنى أشبه بالمعهد العلمي، الذي يبدو ظاهرياً كمركز للعلاج المتقدم المهتم بالتأهيل وتنمية القدرات، بينما في جوهره هو معتقل يقوم بغسيل واحتواء الأدمغة بأساليب متطورة، توضح الأحداث طرق استقطاب العلماء والمعارضين السياسيين والمفكرين المستقلين سواء بالقوة أو بالخداع، وتغيير أفكارهم. الأحداث تتواتر في مسارات فكرية ونفسية معقدة تتم في ظلال من الصمت والتعتيم، كما تتشابك الخطوط الدرامية في تصاعد حتى تأتي لحظة الخلاص على يد جيش عربي .... واقتحام المعهد وإخراج المفكرين المحتجزين، لينتهي الفيلم تاركاً للمشاهد قدراً كبيراً من التفكير والتأمل. +