لم ينف المخرج السعودي عبدالله المحيسن أن هناك عوامل عدة شكلت ورسمت خطاه في مسيرته، فهو ابن المملكة العربية السعودية، نشأ في بيئة خاصة، أكمل تعليمه المتوسط في بلاده ثم سافر إلى بيروت حيث أنهى دراسته الثانوية، ويؤكد المحيسن أن بيروت كان لها النصيب الأكبر في تشكيل وعيه وثقافته بما توافر لها من أجواء انفتاح اجتماعية واقتصادية، وقومية، وكذلك القاهرة وبعد هزيمة 1967 انتقل المحيسن إلى بريطانيا لاستكمال دراسته في السينما والفنون البصرية. وقام المحيسن بعد ذلك بتأسيس أول شركة للإنتاج السينمائي في بلاده، ومن جديد أحبطه الواقع العربي، بوقوع الحرب الأهلية اللبنانية، فما كان منه إلا أن غالب إحباطاته وقام بتصوير أحداث فيلمه التسجيلي الأول"اغتيال مدينة"وثّق فيه قصة الحرب والدمار الذي اغتال الحياة في بيروت. وبعد ذلك قدم فيلمه"الإسلام جسر المستقبل"، وفي فيلمه الوثائقي الثالث"الصدمة"رصد التحولات التي أصابت المنطقة بعد حرب الخليج الثانية. اليوم يعود المحيسن بفيلمه الروائي الطويل"ظلال الصمت"والذي أثار الكثير من الجدل حول ماهية السينما السعودية عند عرضه في المسابقة الرسمية لبينالي السينما العربية الذي عقد أخيراً، بعد أن كان عرض في الدورة الأخيرة لمهرجان"كان"ثم في روتردام. وحول قضية ظهور فيلمين سعوديين كل منهما يرفع شعار أنه"الفيلم السعودي الأول"قال المحيسن لپ"الحياة":"لا يهم من الأول، الأهم هو ان في هذا ميلاداً للسينما السعودية. وعن نفسي أعتبر أن فيلمي"عربي - سعودي"لأنه يضم الكثير من العناصر العربية، خصوصاً أنني أعتبر السينما وسيلة للتعبير أقدم من خلالها وجهات نظري في الأحداث التي تقع من حولنا، وفيلم"ظلال الصمت"أحلم به منذ فترة طويلة". إيقاع ما... وحول أن المشهد الأول من الفيلم جاء واعداً جداً ثم سرعان ما تحول الفيلم إلى الإيقاع التلفزيوني وكثرة الحوار، يعلق المحيسن قائلاً:"اختلف معك، فالحوار لا يشكل ثلث الفيلم، وكان من الضروري في البداية أن أقدم لكل شخصياتي وأعبر عن القضايا الفكرية التي يطرحها الفيلم حول عجز المجتمع العربي وعلاقة المثقف بالسلطة". وينفي المحيسن بشدة أن هناك مشكلة في إيقاع الفيلم ويؤكد أن الفيلم فيه"60 موقعاً"ما بين الصحراء والنخيل والطريق وداخل المعهد العلمي الذي يدور فيه 40 في المئة من أحداث الفيلم، ويضيف:"لقد بذلت مجهوداً غير عادي في اختيار أماكن التصوير في منطقة تدمر السورية، ليبدو المكان معزولاً وكان هذا ضرورياً للدراما". وحول انتقادات البعض بأن الفيلم لا يعبر عن الواقع السعودي علق قائلاً:"من قال إنني يجب أن أقدم سينما عن الواقع السعودي فقط، علينا أن نتخلص من عقدة المحلية، فالمخرج السعودي ليس من المفترض ألا يتعامل سوى مع واقعه، وكذلك أي مخرج عربي. أنا أقدم السينما التي تتفق مع أفكاري والرؤى السياسية التي أراها، وهناك همّ عربي مشترك يجمعنا أرى ضرورة العمل عليه بعيداً من المشكلات الحياتية التي مللنا من رؤيتها وتكرارها في الأعمال التلفزيونية ليلاً ونهاراً، فهل أترك قضية الإنسان العربي لأتفرغ لقضايا الزواج والطلاق والاختلافات حول الشقة وغيرها؟". ويتساءل بانفعال:"لماذا نضع حدوداً؟ لماذا على السينما السعودية ألا تتحدث سوى عن السعودية؟". ويلفت المحيسن الأنظار إلى أنه يتعامل مع السينما بروح الهواية، ما يجعله يتعامل مع السينما بالمزاج وهذا يجعله مختلفاً عن بقية زملائه. ويضيف أنه يقوم بالإنتاج لنفسه وذلك يجعله يأخذ وقتاً طويلاً في العمل على أفكاره. وحول أداء الممثلين الذي قال البعض انه"أتى باهتاً"على رغم أنهم في أعمال أخرى يبدون شديدي التألق مثل غسان مسعود، فرح بسيسو، سليمان عواد، يقول المحيسن:"اختلف مع هذا الرأي، فالممثلون خرجوا تماماً من جو التلفزيون وقدموا أفضل ما عندهم في إطار السيناريو المرسوم، والجو النفسي لكل شخصية. وپ"ظلال الصمت"فيلم يعبر في ظني عن لقاء الكفاءات العربية من ممثلين وفنانين، فالموسيقى التصويرية لزياد الرحباني". ويضيف قائلاً:"لا تنسِ أن الفيلم صعب، فهو حافل بالتساؤلات حول الواقع العربي وعلاقتنا بالغرب الذي يحاول أن يبعدنا عن أصلنا فهم يرغبون في أن نتعرى، لذلك قصدت أن يكون خيرة أطباء المعهد من البدو المتحضرين الذين لهم علاقات وطيدة بالتكنولوجيا على رغم ارتدائهم الملابس البدوية فالتمسك بالأصالة والتراث لا يعني أبداً الانفصال عن العلم والتحضر". وحول عرض الفيلم في المهرجانات وخطة توزيعه في الفترة المقبلة قال:"أهتم بأن يشاهد كل الجمهور العربي فيلمي، والمهرجانات فرصة ليتعرف الجمهور والنقاد على الفيلم، وإثارة نقاش حوله، وسيعرض الفيلم في مهرجان القاهرة، وقرطاج، ومونتريال وموسكو والإعداد لخطة التوزيع جارٍ ويتم العمل عليها". في النهاية يؤكد عبدالله المحيسن ضرورة صنع أسلوب مختلف وخاص بالسينما العربية خصوصاً أننا أصحاب قضايا كثيرة نستطيع مناقشتها وتتلاءم مع بيئتنا لأننا نعيش في مجتمع محافظ.