إذا افترضنا جدلاً أن الحكومة السودانية الحالية في حاجة ماسة إلى المصالحة الوطنية مع الشعب السوداني، بحسب رأي من يروجون هذه الفكرة في الوسط السياسي، فما المطلوب من الحكومة من أجل أن يرضى عنها الشعب وتتم المصالحة؟ وهل الشعب فعلاً غاضب من الحكومة؟ وهل يجب على الحكومة أن تذهب إلى كل مواطن في داره أو في مكانه لتطلب منه"السماح"أو المصالحة الوطنية بصفة خاصة، لكي تنوب عنه أو تمثله في البرلمان، أو في المحافل الدولية، أو في اتخاذ القرارات الحاسمة، التي تتطلب موقفاً إيجابياً من أجل مصلحة الوطن العليا؟ فعلى سبيل المثال لا الحصر، القوات الأممية مثلاً التي تريد أن تدخل إلى دارفور تحت مظلة الحفاظ على الأمن، وهي في حقيقة الأمر غير ذلك، ولديها مآرب أخرى. ففي مثل هذه الحالات البالغة الحساسية التي تتطلب الحسم السريع في اتخاذ القرار، ما المطلوب من الحكومة؟ وإذا كان الشعب غاضباً فعلاً من الحكومة الحالية كما يكتب البعض في مقالاتهم عبر الصحف، أو يتحدثون في منتدياتهم وندواتهم، فإن الشعب لا يحتاج إلى قوة دفع أو تعبئة أو الانتظار ولو للحظة ل"الإطاحة"بالحكومة الحالية، عبر الانقلابات العسكرية أو عبر انتفاضة أخرى، كما فعلها من قبل مع الرئيس جعفر نميري حينما أطاح به عام 1985. من المعروف سلفاً أن الشعب يعلم علم اليقين، ولا يحتاج إلى تذكير، بما كان عليه حال السودان عندما أتت هذه الحكومة في ظل الانتفاضة والفوضى التي عمت السودان في تلك الفترة، التي كانت تحكم باسم الديموقراطية في ذاك الوقت، وما آلت إليه الأحوال الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بصفة خاصة، وتردي جميع المرافق الحكومية، خصوصاً ما يهم الشعب في النواحي المعيشية. لذا نقول إن المطلوب من الحكومة بشقيها، وبقية الأحزاب المنضوية تحت لوائها، والأحزاب والجماعات المعارضة المدنية منها والعسكرية، التي تناضل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أن تتدارك المواقف قبل فوات الآون، وقبل أن يجرفها التيار إلى قاع تلك الهوة. يجب أن تقف هذه القوى معاً وقفة رجل واحد في خندق واحد، وتعيد حساباتها وتوحد صفوفها وكلمتها، قبل أن نجد تلك الجيوش تهاجمنا وتحتل كل شبر في هذا الوطن، وإذا لم نجمع شملنا وشتاتنا، فلن نستطيع العبور إلى بر الأمان لتفادي تلك المعضلة الماثلة أمامنا، أو تلك المعادلة الصعبة التي ظهرت إلى السطح المتمثلة في احتمالية دخول القوات الأممية، ونحن غائبون وغافلون في صراعاتنا الحزبية ومشكلاتنا الخاصة، وفي تبادل"الكراسي"ولعبتها، والتنافر والتباعد عن قضية السودان الحقيقية، بدلاً من التفكير في كيفية تجاوز هذه المحنة والخروج منها، والتفرغ لإعمار السودان وتنميته، وتوفير متطلبات الحياة بأسهل السبل لأبناء هذا الشعب الكادح. جعفر حمودة سوداني مقيم في الرياض [email protected]