أعلن حزب الله الحرب من طرف واحد على إسرائيل والولاياتالمتحدة الأميركية، وعندما نقول إسرائيل يتبادر إلى أذهاننا فوراً الولاياتالمتحدة الأميركية، وهذه حقيقة يدركها العسكريون والمدنيون في العالم أجمع، ويقول الأمير خالد بن سلطان في محاضرته التي ألقاها في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية عام 1997:"تعمدت أن أذكر الولاياتالمتحدة الأميركية وإسرائيل في بند واحد، كي نكون واقعيين مع أنفسنا، فلا نفرق بينهما، فقد أصبحت إسرائيل جزءاً لا يتجزأ من الولاياتالمتحدة الأميركية، فهي يدها التي تنفذ سياستها وتحقق استراتيجياتها في المنطقة. وما فتئ قادة إسرائيل يعلنون في كل مناسبة أن إسرائيل كنز استراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة". سيناريو الحرب المتوقع على النحو الآتي: أولاً: إسرائيل تتحفز منذ أحداث 11 أيلول سبتمبر لتنفيذ استراتيجية الولاياتالمتحدة الأميركية في الشرق الأوسط، بما يعرف ب"إسرائيل والخليج إطارات أمنية جديدة للشرق الأوسط"، وساعد التهور والمغامرة العربية من حزب الله في البدء في تنفيذ الرؤية الأميركية ? الإسرائيلية للشرق الأوسط الجديد. إذ يتم نزع سلاح حزب الله وتدمير جميع قدراته العسكرية وهيكله وتشكيلاته وروحه المعنوية بالآلة العسكرية الإسرائيلية، المدعومة قولاً وفعلاً من الولاياتالمتحدة الأميركية، لأنه مهما كان حزب الله يملك من صواريخ قصيرة المدى وبعيدة المدى، في ظل عدم امتلاكه القوة الجوية والبرية والبحرية اللازمة لمواجهة الجيش الإسرائيلي ذي القدرة والتفوق العسكريين المطلوبين لحسم المعركة، فإن حزب الله أقرب إلى الخسارة منه إلى الربح في هذه الحرب غير المتكافئة. ثانياً: سورية، لا يستبعد إدخال سورية في الحرب، نظراً إلى اعتقاد الولاياتالمتحدة الأميركية بأن سورية سبب رئيس في عدم الاستقرار في العراق، وكذلك لاعتقادهم بأنها متورطة في مقتل الحريري، ودعمها واحتضانها لحركة الجهاد الإسلامي وبعض قادة"حماس"، وأخيراً لدعميها المعنوي والعسكري لحزب الله، وتعتقد الحكومة الأميركية بأن سورية تعوق المشروع الأميركي ? الإسرائيلي الجديد للشرق الأوسط، لذلك حتى ينجح هذا المشروع، لابد من تغيير النظام في سورية، وهذا ما قد يحصل عندما تتورط سورية، ويتم استفزازها بضرب بعض المواقع والأهداف التي تم تحديدها في وقت سابق. ثالثاً: إيران، تعلن أنها ستقف مع سورية إذا تعرضت لهجوم، ولم تبين إيران كيف ستقف مع سورية؟ ونحن هنا أمام واقع واضح لا يحتاج إلى بذل جهد خارق لإدراكه، وهو أن المجالين الجوي والبحري محاصران ومراقبان من إسرائيل والولاياتالمتحدة الأميركية، من أسطوليهما القابعين في البحر المتوسط. تبقى لدى إيران فرصتان الأولى سلاح الصواريخ والثانية التصعيد في جنوبالعراق واستهداف الجنود الأميركيين في العراق. وأنا هنا أكاد أجزم بأن إيران لن تدخل هذه الحرب، وأنها ستترك سورية وحزب الله يواجهان إسرائيل والولاياتالمتحدة الأميركية بمفردهما، وتكتفي بالدعم المعنوي، الذي يضمن السلامة ولا يكلف شيئاً. إيران لن تدخل الحرب يا سورية، فهل تعي وتدرك الحكومة السورية هذه الحقيقة؟، لأن التاريخ يرجح امتناع إيران عن الدخول في حرب تكلفها ذهاب مكاسب الثورة الإسلامية والأهداف الرئيسة للأمن القومي الإيراني، وهي: أولاً: ملء الفراغ الاستراتيجي في مناطق الخليج العربي وآسيا والقوقاز. ثانياً: تحديث قواتها المسلحة وتطويرها بما يحقق لها فرض نفوذها الاستراتيجي والعسكري على المنطقة. ثالثاً: الاستعداد لاحتمالات المواجهة العسكرية مع القوى الدولية أو الإقليمية. رابعاً: إنعاش اقتصاد البلاد. خامساً: الحفاظ على قيم ومبادئ الثورة الإسلامية في الداخل وتصديرها إلى الخارج. ومن وجهة النظر الإيرانية، إيران ليست جاهزة للمواجهة العسكرية مع القوى الدولية، وهي تبني قاعدتها الصناعية الحربية المحلية بأسلوب علمي متطور، لاستكمال بناء قوة أسلحة الدمار الشامل في المجالات النووية والكيماوية والبيولوجية، حتى تحصل على السلاح المتفوق الرادع. رابعاً: السعودية ومصر، وهما الدولتان الوحيدتان المؤثرتان في السياسة الدولية في الشرق الأوسط، وقد أعلنتا موقفهما من هذه الحرب، وهو أنه على المغامرين تحمل مسؤوليات وتبعات هذه الحرب. وفي الحقيقة أن السعودية بادرت بإعلان موقفها بكل وضوح، وفي الوقت نفسه بادرت بمساعدة الشعب اللبناني مادياً. استراتيجية السعودية واضحة في الشرق الأوسط، وهي العمل على أن تبقى منطقة الشرق الأوسط ? بقدر الإمكان - بعيدة من الصراعات الدولية، لأنها تدرك أن ميزان القوى ليس في مصلحتها في الوقت الحاضر. وأعود إلى سيناريو الحرب ووقف إطلاق النار المتوقع الذي سينتج منه تدمير سلاح حزب الله وخلق منطقة آمنة، تفصل بين الجنوباللبناني وإسرائيل، توجد فيها قوات لحفظ السلام، ومن خلفها وجود فعلي للجيش اللبناني وتنازلات سورية لا حصر لها، من تحديد الحدود الدولية مع لبنان، إلى طرد قادة الأحزاب والحركات المغامرة بمكتسبات الدول والشعوب من سورية. هذا إذا لم تتطوره الأمور وتكن الشروط الأميركية ? الإسرائيلية بتغيير النظام في سورية، ويحدث في سورية ما حدث في العراق - لا قدر الله - فهل يبادر الإخوة في سورية إلى تهدئة ساحات القتال وإدارك الفرصة الأخيرة قبل فواتها. أما إيران فستخسر حليفين لها في المنطقة هما حزب الله وسورية، وهذا يعتبر في حد ذاته خسارة لإحدى الأوراق التي كانت تلعب بها في مواجهتها مع القوى الدولية حول برنامجها النووي المثير للجدل. * خبير في الجيوبوليتك.