تعتزم أسرتان من محافظتي الأحساءوالخبر، رفع دعوتين قضائيتين ضد مستشفيين أهلي وحكومي، بسبب ما وصفوه ب"أخطاء طبية"، ناجمة عن"إهمال وتقصير"من جانب طواقم طبية وتمريضية في المستشفيين. وتسبب ما تدعيه أسرة في الأحساء أنه"خطأ طبي"في وفاة شاب أدخل أحد المستشفيات الأهلية في الأحساء، إثر معاناته من مرض تكسر الدم الوراثي، فيما كاد يتسبب"خطأ طبي آخر"في حال غرغرينا لشاب آخر في محافظة الخبر، إثر عزوف الأطباء عن علاجه. وتأتي الحالتان بعد سلسلة من الأخطاء الطبية، التي شهدتها المستشفيات الحكومية والأهلية في المملكة، والتي أقر بها في وقت سابق وزير الصحة الدكتور حمد المانع، وأكد أن"الأخطاء الطبية ستحصل، سواءً كانت هناك رقابة أو لم تكن"، بيد أنه استدرك"لا بد أن ينال كل شخص أخطأ العقاب الكامل والفوري"، نافياً أن تكون هذه الأخطاء"بسبب ضعف الرقابة"من وزارته على هذه المنشآت، مؤكداً أن هناك"لجنة شرعية يرأسها قاضي تمييز، تبت في مثل هذه الأخطاء، وتحديد العقوبات حسب ما تنص عليه اللوائح المخصصة في هذا الشأن"، مشيراً إلى أن وزارته"لا تتهاون في مثل هذه الأمور، وتوليها جل اهتمامها، وتحاسب كل مقصر بما يتفق وطبيعة خطئه". كما أوضح المانع أن نظام مزاولة المهن الصحية الصادر من مجلس الوزراء قبل نحو ثلاثة أشهر، يتضمن إنشاء هيئة بمسمى"الهيئة الصحية الشرعية"، وقال:"إنها ستساهم في تقنين الأخطاء المهنية الصحية"، مشيراً إلى أن"الممارس الصحي يكون محلاً للمساءلة التأديبية إذا أخل في أحد واجباته المنصوص عليها في هذا النظام، أو خالف أصول مهنته، ويجوز إيقاع العقوبات التأديبية التي تتضمن الإنذار والغرامات المالية وإلغاء الترخيص وشطب الاسم من سجل المرخص لهم. وأثار موت مصطفى حجي السعيد، غضب وسخط عائلته، التي قررت رفع دعوى قضائية في حق المستشفى المُعالج، لما وصفوه ب"الإهمال والتقصير في تقديم الخدمة الطبية، التي يمكن أن تنقذ حياة الشاب، التي تدهورت نتيجة لذلك". وعانى السعيد منذ طفولته من أمراض الدم الوراثية، إلا أن ليلة الجمعة الماضية كانت الأشد، إذ أدخل مستشفى"أرامكو"، ما دفع المستشفى إلى إحالته فوراً إلى مستشفى أهلي في الهفوف"لعدم توافر أسرة، لذا لن نستقبله"، حسب أخيه. وكان يعاني من هبوط مستمر، وأجريت له الإجراءات اللازمة للتنويم، ليعود الأهل منهكين إلى منزلهم، إلا أن القلق على الابن لم ينته. وأكده اتصال منه، يطلب منهم المجيء. ويقول فيصل الأخ الأكبر:"كان صوته ضعيفاً جداً ومتقطعاً، وعلى الفور توجهنا إلى المستشفى، فوجدناه هزيلاً ضعيفاً، وأول ما طلبه منا أن ندخله دورة المياه، لأن طاقم التمريض لا يستجيب لندائه المتكرر، وبعد خروجه ترجانا أن نُحضر له طعاماً، لأنه لم يذق شيئا". وتدهورت حالته الصحية صباح اليوم التالي، وأدخل العناية المركزة، ويؤكد والده أن"نسبة الهيموجلوبين انخفضت إلى حدود الخطر، وتحدثنا إلى الطبيب متسائلين عن هذا التدهور المفاجئ، فأجاب"من أين أوفر لكم الدم، المستشفى لا يوجد فيه دم". وقرر الأطباء نقله إلى مستشفى"أرامكو"في الظهران"لعدم وجود الإمكانات اللازمة"حسب قول الوالد، وأضاف"أي إمكانات يتحدث عنها المستشفى، لماذا لم ينقلوه من البداية للظهران". وفور عودة الوالد إلى المنزل، جاءه اتصال من مكتب الأخصائية الاجتماعية في المستشفى، تخبره بأن ابنه سينقل إلى مستشفى"الملك عبد العزيز"التابع للحرس الوطني، وعاد الأب والأخ الأكبر، لإنهاء إجراءات النقل، وفور وصولهما إلى غرفة مصطفى، وجدا ما أثار دهشتهما. ويقول فيصل:"وجدنا خمسة أطباء في الغرفة يتفرجون، بينما تقوم الممرضة في محاولات يائسة لعمل إنعاش لمصطفى، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، لكن هذه المحاولات لم تجد نفعاً، وفارق الحياة"، مضيفاً"سنرفع دعوى لإجراء تحقيق يكشف الملابسات". وكشف والده بأن التقرير الطبي يفيد بأن مصطفى"أصيب بانغلاق في الشرايين، ودخول ماء إلى الرئتين، وجلطة جعلت من فرصة بقائه على قيد الحياة ضئيلة جداً"، إلا أن هذه النتيجة لم تقنع الوالد الذي حمل الأوراق التشخيصية والطبية إلى استشاري في مستشفى آخر، ليكتب تقريراً عن سبب وفاة ابنه. كما رفض شقيقه استلام الجثة إلا بعد إجراء تحقيق"قمت بتوثيق الإهمال من طريق مشاهد تصف حالته في آخر اللحظات، وأحتفظ بها متى ما كان هناك تحقيق، ولن نرضى إلا بعد معاقبة المقصرين الذين أفقدونا أخاً مليئاً في الحيوية والفرح". وتساءل"كان يُعطى قبل وفاته عقار المورفين كل أربع ساعات، ما يجعله مخَدراً تماماً، فهل أثر هذا العقار عليه ليصاب في جلطة في أوعية القلب وشرايينه؟" مرتضى التوأم الثاني لمصطفى، كان الأشد حزناً بعد وفاة شقيقه، لأنه لم يفترق معه حتى على فراش المرض، وطوق موت مصطفى حياة مرتضى، الذي بات شديد الانطواء والخوف على حياته. ويقول:"أنا أحمل المرض نفسه والملامح نفسها، وأكثر ما يقلقني على رغم اشتياقي لأخي أن ألحق به، ولا أدري كيف سأذهب إلى المدرسة من دونه". وفرض زملاؤه حال حداد، وأبقوا مقعده خالياً تكريماً له، وسادت حال من الحزن المدرسة. ولم تفلح المحاولات التي قامت بها جهات عدة لتهدئة الوضع بين الأسرة والمستشفى، واتخاذ الأمر على أنه"قضاء وقدر"، مؤكدين أن موت ابنهم"حدث بعد إهمال"، مؤكدين أيضاً عزمهم"تقديم المقصرين للقضاء". المستشفى يرد من جانبه، نفى المدير الطبي في المستشفى الدكتور علي الخرس الاتهامات التي وجهتها الأسرة، وقال:"لم يكن هناك تقصير، إذ أن المريض تم تنويمه مباشرة، ثم توجه إلى العناية المتوسطة، والتي تستدعي الراحة التامة، ويتم خدمته وتمريضه وهو على السرير". ورداً على قول والد الشاب"مصطفى كان يحتاج إلى دم بعد هبوط الهيموجلوبين إلى حدود خطرة، إلا أن المستشفى لم يهتم في ذلك،"، رد الخرس"أن حالة المريض لم تكن تستدعي نقل دم، فنسبة الهيموجلوبين بالنسبة لمرضى التكسر تكون في حدودها المقبولة". وأضاف أن"بنك الدم لديه احتياط كافٍ لجميع الحالات". وتحدث عن تشخيص حال السعيد لدى وصوله"عند تحويل المريض إلينا من مستشفى أرامكو، لم تكن هناك مشكلة في عدم توافر سرير". وأضاف أنه"يتم إبلاغ"أرامكو"في كل مناوبة عن عدد الأسرة الشاغرة في كل قسم، ولا يتم تحويل أي حالة إلا عند التأكد من وجود سرير، ويتم الاتصال في المستشفى قبل نقل المريض". ووصف تشخيص حال السعيد بقوله:"كان يعاني من فقر الدم المنجلي، وتم تحويله إلينا بسبب الآلام الشديدة، وعملت له الفحوصات اللازمة، فكانت نسبة الهيموجلوبين في الحدود المقبولة". وأضاف"بعد بضع ساعات ازدادت الآلام، لذا تم نقله إلى العناية المتوسطة من أجل الزيادة في الحرص، إلا أنه أصيب بمتلازمة الصدر الحادة، ما استدعى إجراء عملية الإنعاش القلبي له، وتحويله مباشرة للعناية المركزة، ومن المعلوم أن نسبة الوفيات الناتجة عن المتلازمة مرتفعة جداً في جميع المراكز الطبية العالمية". وفيما إذا كان ل"المورفين"تأثير على تدهور حالته قال:"إن العلاج المتعارف عليه في مثل هذه الحالات هو"المورفين"، الذي يُعطى في صفة مستمرة لتخفيف الآلام، ولم يكن له أي علاقة في تدهور حالته". وأضاف"أن الفريق الطبي لمستشفى"أرامكو"كان موجوداً طوال فترة الساعات التي قضاها المريض في مستشفانا، وهو مجهز في جميع الحاجات اللازمة لنقل أي مريض إلى مستشفى آخر مثل سيارات الإسعاف المتطورة وأجهزة التنفس الاصطناعي والإنعاش القلبي والرئوي المتنقلة، لذلك لم تكن هناك أي مشكلة في نقل المريض لأي مستشفى آخر، عندما تكون حالته تسمح وتستدعي ذلك". وقدم بالإنابة عن المستشفى لأسرة الشاب"التعازي الحارة، وأن يتغمده الله بواسع رحمته، وأن يلههم الصبر والسلوان".