ظل المسلمون في عصور مبكرة يرجعون إلى علماء ومفتين يثقون بهم في ما أشكل عليهم من أمور دينهم. ومع ظهور المدارس الاجتهادية المختلفة في القرون المفضلة الأولى إلا أن تشتت العالم الإسلامي إلى أقاليم ودول تختلف ظروفها وأوضاعها جعل من اتحاد الفتوى أمراً مستحيلاً، الأمر الذي دفع إلى الحديث عن مجامع فقهية تقطع في القضايا والنوازل الإسلامية، وتحظى بثقة عموم المسلمين. وعلى رغم أن المجامع نشأت وتعددت إلا أن الملاحظ أنه لا تزال معظم الشعوب الإسلامية لا تثق إلا بفتاوى علمائها المحليين، حتى عندما تكون الفتوى من مجامع لمعظم الدولة الإسلامية فيها ممثلون. وفي الدورة الأخيرة للمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي لم تفصل فتواه في إجازة ما يعرف ب"زواج المسيار"الجدل حول هذا النوع من النكاح الذي يلقى انتقاداً حاداً من طوائف إسلامية، مثلما يلقى رواجاً وترحيباً بين أخرى. وفي الكويت القريبة من انعقاد المجمع في مكةالمكرمة اعتبر عميد كلية الشريعة السابق الدكتور محمد عبدالغفار"زواج المسيار غير جائز إلا في حالة خشي المرء على نفسه الوقوع في الزنا المحرم". ونقلت صحيفة الوطن الكويتية تأييد عميد كلية الشريعة الحالي الدكتور محمد المطير، والدكتور عجيل النشمي له في رأيه ذلك، ودعوا إلى"ضرورة سد باب الذرائع أمام المنحرفين لاستغلال هذا النوع من الزواج الذي لا يحقق مقاصد الزواج المنصوص عليها والتي تهدف إلى تكوين أسرة مسلمة مستقرة"وقالوا للصحيفة:"إنه وفرند زواجان مستحدثان لا يخدمان إلا الرغبة الجنسية فقط"! وكان باحث قطري هو الدكتور محمد الدسوقي أكد في دراسة له عن المجامع والجمعيات الفقهية أن الإمام محمد عبده كان أول من دعا إلى إنشاء مجمع للفقه الإسلامي، وشاركه في ذلك بعض العلماء والفقهاء، ومن الذين اهتموا بهذا الأمر الدكتور محمد يوسف موسى، وهو من العلماء المعاصرين الذين لهم منزلتهم المتميزة، ودراساته في الفقه والفلسفة شاهدة على هذا، وقد توفي سنة 1964 فقد كتب مقالات كثيرة، يؤكد فيها أن العصر الحاضر يفرض على الفقهاء الاجتهاد، وأن إنشاء مجمع للفقه الإسلامي على غرار مجمع اللغة العربية هو السبيل لاجتهاد منظم مفيد. وصدر قرار إنشاء المجمع الذي سمي مجمع البحوث الإسلامية بالقرار المصري رقم 103 لسنة 1961 الخاص بإعادة تنظيم الأزهر. ويضم المجمع أعضاء من كل الدول الإسلامية، وقد عالج في مؤتمراته التي عقدها بعد إنشائه مواضيع فقهية مهمة كما عالج بعض المواضيع التي تتعلق بالعقيدة والحضارة. وأنشئ بعد مجمع البحوث الإسلامية مجمع الفقه الإسلامي، وهو تابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومقره جدة، كما أنشئ المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ومقره مكةالمكرمة. وجاء في قرار إنشاء مجمع الفقه التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي والذي صدر في ربيع الأول سنة 1401ه الموافق كانون الثاني يناير 1981 في فقرته العامة ما يأتي: إنشاء مجمع يسمى مجمع الفقه الإسلامي يكون أعضاؤه من الفقهاء والعلماء والمفكرين في شتى مجالات المعرفة الفقهية والثقافية والعلمية والاقتصادية من مختلف أنحاء العالم الإسلامي لدراسة مشكلات الحياة المعاصرة، والاجتهاد فيها اجتهاداً أصيلاً فاعلاً بهدف تقديم الحلول النابعة من التراث الإسلامي والمنفتحة على تطور الفكر الإسلامي. فرسالة هذا المجمع تتمثل في عرض الشريعة الإسلامية عرضاً صحيحاً وإبراز مزاياها، وبيان قدرتها الفذة في معالجة المشكلات الإنسانية المعاصرة، وفي تحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وفق تصور شامل للإسلام بأصوله ومصادره وقواعده وأحكامه، على أساس أن الفقه الإسلامي هو ثمرة تحكيم شريعة الله سبحانه في الواقع الإنساني بكل أبعاده. وخلص الدسوقي إلى أنه إذا كانت هذه المجامع على اختلاف مسمياتها تمثل حركة علمية طيبة، وتنوعاً في النشاط الفكري فإن تعددها يؤدي إلى تكرار الجهود، وكان الأولى بالأمة أن يكون لها مجمع فقهي واحد، وأن يكون هذا المجمع بعيداً في رسالته من الأهواء السياسية، وأن يكون لما يصدر عنه من اجتهاد صفة الالزام لكل الشعوب الإسلامية، وبذلك تتخلص الأمة من التبعية القانونية، كما تتخلص من ظاهرة التناقض في الآراء والإفتاء بصورة تمزق وحدة الصف، أو تزيد من حدة الخلاف بين العلماء.